الخطب والمحاضرات

التطير بالصالحين

2010-02-01



التطير بالصالحين     

16/صفر/1424هـ

مسجد خالد بن الوليد

الحمد لله الذي لا خير إلا خيره ولا طير إلا طيره ولا إله غيره، لا يأتي بالحسنات إلا هو ولا يدفع السيئات إلا هو ولا حول ولا قوة إلا به.

والصلاة و السلام على من أوضح المسالك، وأقام الدليل وأضاء بالتنزيل كل حالك، وتركنا على المحجة البيضاء ليلاها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله البررة الكرام، وصحبه الخيرة الأعلام، و على من اهتدى بهديهم واستن بسنتهم على الدوام.

وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

الوصية بالتقوى:

عباد الله:

إن الخطباء هذه الأيام، أيام شهر صفر يتكلمون كثيراً عن الطيرة؛ لأن الناس ورثوا فيما ورثوا من عقائد الجاهلية الطيرة و التشاؤم، بشهور وأيام و بطيور وحيوانات أوبمناظر و أشكال وكلمات أو أصوات، وهذا كله من الانحراف في العقيدة و الالتفات إلى ما سوى الله سبحانه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الطيرة شرك الطيرة شرك) ( [1] ) وقال صلى الله عليه وسلم : (من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك) ( [2] ) ولا حرج من ترداد الكلام في ذلك؛ فإن أحق ما سخّر الداعية نفسه لحربه وإبطاله هو الشرك بالله تعالى، ولكن أيها الأخوة أحببت في هذه المرة أن أتحدث عن موضوع آخر من الطيرة، نوع مختلف تماماً عما اعتدتم الحديث عنه، إنه ليس التطير بالطيور والحيوانات ولا بالأصوات والكلمات ولا بالمناظر المكروهات، ولكنه التطير بالأنبياء و المرسلين وبأتباعهم من الصالحين والمجاهدين، إنها سنن الأمم الكافرة و القرون الغابرة و القرى التي استحقت الهلاك وما زالت تتكرر بصور و أشكال مختلفة، فثمود حين جاءهم صالح بالهدى ودين الحق بالبينات و الزبر تطيروا به ونسبوا إليه كل شؤم ومكروه قال تعالى: [وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ{45} قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{46} قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ{47}] ولقد ظهرت الحقيقة وظهر من هو مصدر الشؤم وسبب الهلاك وهم العصاه و المفسدون.

لقد كان هلاكهم بسبب المفسدين لا بسبب الصالحين قال تعالى: [كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا{11} إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا{12} فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا{13} فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا{14} وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا{15}] لقد دمدم عليهم بذنبهم ذنوب المذنب وسكوت الباقين عليه.

وفرعون وقومه تطيروا بموسى ومن معه، فكيف كانت النتيجة؟ ومن هو المشئوم الذي كان سبب الهلاك؟ ولمن كانت العاقبة؟ يجيب على ذلك القرآن حيث يقول الله تعالى: [وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ{130} فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{131}] إلى أن قال سبحانه: [فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ{135} فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ{136} وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ{137}].

وأصحاب القرية التي ذكرها الله تعالى في سورة يس كذلك تطيروا برسلهم وبمن جاءوا لإنقاذهم وهدايتهم، وسخروا منهم، فماذا كانت العاقبة؟ قال تعالى: [ واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ{13} إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ{14} قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ{15} قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ{16} وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ{17} قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ{18} قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ{19} ] ثم ذكر الله ذلك الرجل الناصح لقومه و الحريص على هدايتهم وما قابلوه به حتى قتلوه ثم قال: [وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ{28} إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ{29}].

وما زالت سنة الكفار مع المؤمنين والمجاهدين والمصلحين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

 

الخطبة الثانية

الحمد و الثناء و الوصية بالتقوى:

عباد الله:

وليس الأمر مستغرباً من الكافرين الظاهرين المحاربين علناً لله ولرسوله وللمؤمنين، ولكن الغريب أن يسلك ذلك المسلك أناس من داخل هذه الأمة؛ فيتطيرون برسول الله صلى الله عيه وسلم وأصحابه وأتباعه قال تعالى: [أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً{78} مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً{79}].

 


[1] رواه أبو داود 4/17 برقم 3910 ، ابن ماجة 2/1170 برقم 3538وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم 3098.

[2] رواه أحمد 2 /220 برقم 7045 وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم: 6264 .

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم