الخطب والمحاضرات

عشر ذي الحجة

2010-01-17



بسم الله الرحمن الرحيم

عشر ذي الحجة

مسجد خالد بن الوليد

25ذي القعدة 1430هـ

 

الحمد لله الذي جعل عشر ذي الحجة أفضل أيام العام، وفضَّل العمل فيها على العمل في غيرها من سائر الأيام، وشرفها بأفضل خاصة وسام، ففيها وحدها يجتمع أركان الإسلام، وفيها وحدها تجتمع الصلاة والصدقة والحج والصيام.

والصلاة والسلام على المبلغ عن الله، والداعي إلى مولاه، والقدوة الحسنة الذي لا فلاح محقق إلا بالتمسك بهداه، ومتابعته دون سواه، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله،أما بعد:

الوصية بالتقوى:

عباد الله:

يقول الإمام ابن رجب - رحمه الله -: ( لما كان الله سبحانه وتعالى قد وضع في نفوس المؤمنين حنيناً إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادراً على مشاهدته في كل عام، وقد فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره وجعل مواسم العشر مشتركاً بين السائرين والقاعدين، فمن عجز عن الحج في عام قدر في العشر على عمل يعمله في بيته يكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج ) ( [1] ) انتهى كلامه.

قال صلى الله عليه وسلم: ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام – يعني العشر – قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء )([2])

أيها الإخوان:

إخوانكم في هذه الأيام قد عقدوا الإحرام، وقصدوا البيت الحرام، وملئوا الفضاء بالتلبية والتكبير والتهليل والتحميد والإعظام، لقد ساروا وقعدنا، وقربوا وبعدنا، فإن كان لنا معهم نصيب سعدنا، ونصيبنا أن نعوض ما فات بالإكثار من العمل الصالح في هذه الأيام العشر المباركة، فكل عمل صالح نعمله فيها يكون أفضل من نظيره في غيرها من الأيام، فالعاقل الحريص على الخير من يغتنم هذه الفرص ولا يضيعها.

ومن فضل الله تعالى على عباده أنه لم يخص عملاً محدداً بالفضل، بل أطلق ذلك ليقدر كل حريص على الخير أن يشارك في العمل وينال الأجر بحسب حاله، فاجتهد يا عبد الله، اجتهد إن كنت تاجراً بالصدقة ونفع الناس لا سيما وحاجتهم كبيرة وضرورتهم بادية، وإن كنت غير قادر على النفقة ولكن قادر على العمل بيدك فافعل، وأعن من استعان بك، وأعن صانعاً أو اصنع لأخرق، وإن كنت ذا جاه فابذل جاهك:

وأد زكاة الجاه عنك فإنها كمثل زكاة المال تم نصابه

وإن كنت غير قادر على إيصال النفع للآخرين، فابذل ما تستطيع من صلاة نافلة بعد أداء الفريضة، وقراءة قران وذكر لله، قال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - وهو يعدد الأعمال المستحبة في العشر: ( استحباب الإكثار من الذكر فيها، فقد دل عليها قول الله عز وجل: ( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ) فإن الأيام المعلومات هي أيام العشر عند جمهور العلماء، وفي حديث ابن عمر: ( فأكثروا فيها من التهليل والتكبير والتحميد ) انتهى كلامه ( [3] ).

ومن أفضل ذكر الله القرآن الكريم والإكثار من تلاوته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قَرَأَ حَرْفًا من كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ ألم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ) ( [4] ).

وعن عُقْبَةَ بن عَامِرٍ قال: خَرَجَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ في الصُّفَّةِ فقال أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إلى بُطْحَانَ أو إلى الْعَقِيقِ فَيَأْتِيَ منه بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ في غَيْرِ إِثْمٍ ولا قَطْعِ رَحِمٍ، فَقُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ نُحِبُّ ذلك، قال أَفَلَا يَغْدُو أحدكم إلى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ أو يَقْرَأُ آيَتَيْنِ من كِتَابِ اللَّهِ عز وجل خَيْرٌ له من نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ له من ثَلَاثٍ وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ له من أَرْبَعٍ وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ من الْإِبِلِ) ( [5] ).

فانظروا إلى هذا الأجر العظيم الذي لا يعجز عنه أحد، وفكروا كيف تصلون إليه وتتخطون عقبات النفس والشيطان التي تصد كثيراً من الناس عن ذلك الخير.

عباد الله:

وليس الأمر مقصوراً على ذلك، فأوجه الخير كثيرة ومتنوعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تعدل بين إثنين صدقة، وتعين الرجل على دابته فتحمله عليه وترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة ) ( [6] ).

وهكذا من عزم على فعل الخير وكسب الأجر فإن ذلك لن يعجزه أبداً، والمحروم من أقفل على نفسه أبواب الخير، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.

عباد الله:

ومما تعود الناس على فعله في هذه العشر الإكثار من الصيام، وهذا عمل طيب فالصيام من الأعمال الصالحة ولكن لا ينبغي أن يعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سن صيام العشر كاملة، أو أنه كان يصومها كاملة؛ فإنه لا يثبت شيء من ذلك، ولكن أكثر العلماء كما ذكر ذلك ابن رجب يستحبون الإكثار من الصيام في العشر فليصم الإنسان ما تيسر من ذلك.

وآكد أيام العشر استحباباً للصوم هو يوم عرفة لمن لم يكن قائماً بعرفة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ على اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ التي بَعْدَهُ ) ( [7] )

وهناك عملان فاضلان هما من أفضل الأعمال، يغفل عنها كثير من الناس من شدة الحاجة إليها وكثرة الأجر عليها.

الأول: التوبة الصادقة النصوح من أفضل الأعمال، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.

الأمر الثاني : إصلاح ذات البين، قال الله سبحانه: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.

عباد الله:

وهناك أمر ينبغي أن نستعد به قبل دخول العشر الأواخر، ألا وهو الإمساك عن أخذ الشعر والأظافر لمن يريد أن يضحي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظافره ) ([8])، فعلى المسلم أن ينتبه لذلك ويحتاط بأخذ ما يحتاج إلى أخذ منه قبل دخول شهر ذي الحجة

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد والثناء والوصية:

عباد الله:

قال الإمام الذهبي - رحمه الله - وهو يترجم لعضد الدولة البويهي أكبر ملوك الدولة البويهية الرافضة الذي ابتدع في الإسلام بدعاً منكرة وسن سنناً سيئة منها: إظهار سب الصحابة، ولعنهم في الأسواق وغيرها قال في آخر ترجمته: ( قلت: فنحمد الله على العافية، فقد جرى على الإسلام في المائة الرابعة بلاء شديد، بالدولة العبيدية في المغرب وبالدولة البويهية بالمشرق، وبالأعراب القرامطة فالأمر لله تعالى: قلت وهذه الدول كلها دول شيعية رافضية أحاطت بلاد الإسلام من أطرافها ) ( [9] ).

وقال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: ( وقد امتلأت البلاد رفضاً وسباً للصحابة من بني بويه وبين حمدان والفاطميين، وكل ملوك البلاد مصراً وشاماً وعرافاً وخراسان وغير ذلك من البلاد، وكانوا رفضاً وكذلك الحجاز وغيره وغالب بلاد المغرب فكثر السب والتكفير منهم للصحابة ) ( [10] ) قلت: هذان الإمامان هما من أشهر مؤرخي الإسلام ومن أكثرهم إطلاعاً على أسراره، وقد أظهرا هذه الشكوى المُرة من انتشار التشيع والرفض، ومما حصل على الإسلام والمسلمين من ذلك، أشده سب الصحابة وتكفيرهم.

واليوم تسعى دولة إيران الرافضية لإعادة ذلك، تسعى للسيطرة على العالم الإسلامي ونشر مذهبها الخبيث بين أهله، بل وتسعى لأن تجعل الرافضة هم أهل القرار ومالكي السيطرة على بلاد المسلمين، وقد تحقق لها من ذلك الكثير، لقد استأسد الرافضة في كل مكان، فخرجوا من جحورهم وتخلوا عن التقية التي يدينون بها أيام الضعف، ورفعوا أصواتهم عالية بما يعتقدون، وسبوا الصحابة علناً في بعض الأحيان، إضافة إلى إظهار حقدهم على أهل السنة والعمل على تقتيلهم وتصفيتهم كما هو حاصل في العراق وفي كل مكان قدروا على ذلك، وقد بدأوا يوسعون دائرة نفوذهم فهم يسيطرون على العراق، ويتغلغلون في سوريا، ويشكلون قوة ضاربة في لبنان، ولهم طلائع قوية في السعودية ودول الخليج، وذراع قوية في اليمن حتى الحوثيون يحلمون بحكم العالم الإسلامي كله والهيمنة عليه، و من ثم إظهار ما أظهروه مما وصفه الإمامان الذهبي وابن كثير وغيرهم من العلماء والمؤرخين من أهل السنة.

فهل يدرك أهل السنة ذلك؟ أم أن حكامهم مشغولون بترتيب أوضاعهم الخاصة، والتسابق في تقديم التنازلات، والتقرب إلى أعداء الله بكل ما يرضيهم، ولو على حساب الدين والوطن والشعوب، وشعوب أهل السنة من بغضها لحكامها أصبحت تحب كل من يعاديهم ولو كان عدواً لله ورسوله وللمؤمنين.

أيها الإخوة:

إن النظرة الشرعية للواقع وإلى الأحداث وإلى الناس لا يجوز أن تصدر عن العواطف والمشاعر، ولا يجوز أن تخضع للأهواء، ولا يحركها حب الانتقام ممن يكره الناس أو يحبون، وإنما يجب أن تنضبط بالضوابط الشرعية، وتنطلق من تقدير المصالح والمفاسد، قال الله تعالى: { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

من البلاء العظيم أن ينتشر البغض والعداوات بين الشعوب وحكامها في بلاد أهل السنة، ويلام على ذلك كل من كان سبباً فيه، وأشد من ذلك أن يكون ذلك سبباً للإعجاب بأعدائنا ومحبتهم وتمني نصرهم، أو أن يحلوا بعزل قياداتنا السنية مهما كان وضعها.

وإن من البلاء أن ينخدع شعوب أهل السنة بدعايات الروافض وإعلامهم المزيف للحقائق، والذي يخفي وراءه الكثير من مكرهم وخياناتهم وعمالتهم للكافرين من يهود ونصارى وغيرهم عبر التاريخ وحتى اليوم.

إن من البلاء العظيم ما يقوم به بعض السياسيين وبعض الإعلاميين اليمنيين من إخفاء لحقيقة الحوثيين، والتغطية على مذهبهم الذي يشيعه مذهب الروافض، وولائهم لإيران ومراجع الرافضة في كل مكان لهم، ويهونون من شأنهم العقائدي والطائفي.ويعلون من شأنهم السياسي، حتى يجعلوهم مع الدولة رأساً برأس، وهم يعلمون حقيقتهم وخطرهم على اليمن وعلى المنطقة وعلى أهل السنة في العالم كله، فعلى الجميع أن ينتبه وأن يحذر وأن يعرف حقيقة القوم ولا يهون من خطرهم، ولا يعطيهم أكبر من حجمهم السياسي، مهما كانت نظرته للنظام وسياسة وممارسات النظام

على الجميع أن يرفض مبدأ أن الغاية تبرر الوسيلة، فإذا كانوا يسعون للوصول إلى الحكم فعليهم أن يتخذوا الوسائل الشرعية لذلك،أما أن يعينوا كل من يعادي النظام لأجل تحقيق غايتهم الحزبية فهذا لا يجوز.


[1] لطائف المعارف ص379

[2] رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما 1/329 برقم 926

[3] ( لطائف المعارف، 524 )

[4] رواه الترمذي 5/175 برقم 2910

[5] رواه مسلم 1/552 برقم 803

[6] رواه مسلم 2 / 699 برقم 1009

[7] رواه مسلم 2/818 برقم 1162

[8] رواه مسلم 3/1565 برقم 1977

[9] سير أعلام النبلاء 16 / 252

[10] البداية والنهاية 11/ 233

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم