الخطب والمحاضرات

يا أهل القرآن

2010-01-02



يا أهل القرآن

خطبة جمعة بتاريخ : 17/4/1426هـ - 26/5/2005م

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ والصلاة و السلام على من خاطبه ربه بقوله : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} ( [1] )  ، وامتن الله عليه و على أمته بإنزال القرآن فقال : {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} ( [2] ) صلى الله عليه وعلى آله المخاطبين بقوله تعالى : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} ( [3] ) ، وصحابته الموصوفين بقوله تعالى : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ } ( [4] ) ، والتابعين لهم بإحسان الذين أثنى الله عليهم بقوله: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} ( [5] ) و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

  • الوصية بالتقوى :
  • عباد الله :

ثم جاءت فترة الردة ومحاولة إتيان المتنبئين بما يشبه القرآن، ففضحوا أنفسهم و نادوا على أنفسهم بالجهل والحماقة، ثم تواترت الفترات و جاء تحريف الكلم عن مواضعه وجنايات التأويل على القرآن. وكل ذلك باء بالفشل لأنه اصطدم بقلعة الحفظ الإلهي، فارتدّ على الأدبار خاسئاً، و ثبتت الحقيقة الراسخة التي أعلنها الله تعالى بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ( [17] ) .فثبت القرآن، وحُفظ وانتشر، وذهبت كل المحاولات وجميع المؤامرات أدراج الرياح.

و عندما تجددت الحروب الغاشمة على الإسلام وأهله، وعلى أصله العظيم القرآن الكريم مع فترة الاستعمار الغربي، عاد الهجوم على القرآن و استجدت وسائل أخرى تنم عن حقد دفين، واستهداف تام لهذا القرآن ، كونه الضمان الأكيد لبقاء الإسلام و المسلمين وحياتهم، وتمنعهم عن تنفيذ أهداف الأعداء، وظهر بعض ما كانت تخفي صدورهم،   و أجلبوا بخيلهم ورجلهم، فشوّهوا و شككوا، وقذفوا بآلاف الشبهات. فحَفظ الله القرآن، و ذهب الزبد، و بقي ما ينفع الناس، و جاءت الصحوة بعد ذلك، فحُفظ القرآن و فُسِّر، وحُكِّم لدى العديد من المسلمين، و أُحيي ما اندثر من علومه، وعاد إلى الصدارة والقيادة والعزة و الظهور، واكتشف الناس حقيقة أعدائهم.

و حينما أخذت الصحوة الإسلامية مداها، و اشتهر أمرها، وأصبحت ملئ سمعِ الدنيا و بصرِها، خافها الأعداء، ودبروا لها المكايد، والمؤامرات، وتولى كبر ذلك الولايات المتحدة الأمريكية - فرعون العصر ( و أبو جهل هذا القرن        ونمروده ) - فحاربت القرآن بأساليب مختلفة منها :

1-  محاولة تقليص تدريسه، وتخفيض حصصه في مدارس المسلمين.

2-  الأمر بتصفية مناهج الدراسة من كثير من الآيات التي لا تروق لهم.

3-  إخراج كتاب جديد باسم ( الفرقان الحق ) لمحاولة صرف المسلمين عن قرآنهم إليه، وما ذاك إلا اقتداء بمسيلمة الكذاب، حيث أتى بخزعبلاته فصارت عاراً عليه إلى يوم القيامة، أو بأبرهة حين بنى كنيسة القليس، ليصرف الناس عن بيت الله الحرام، فما زاد أن أضحك العقلاء على نفسه، و أثبت للتاريخ أنه أحد أكابر الحمقى و المغفلين.

و أخيراً وحينما فشلت كل تلك المؤامرات، وطفح الحقدُ، وغلت مراجلُه، جاءت الحادثة الشنيعة -ـ حادثة تمزيق وتلويث القرآن الكريم و إهانته بقاعدة غوانتاناموا ــ وفضحهم الله ، وكشف سترهم بواسطة وسائل إعلامهم، وعادوا صاغرين خانعين يعتذرون من المسلمين في الظاهر، و يفكرون في وسائل جديدة لمحاربة القرآن في الباطن، ولكنها سوف تلحق بأخواتها ما دام أن المسلمين يقضون ، عاملون على حماية كتاب ربهم و دستورهم و مصدر عزهم.

هذا هو القرآن وهذه منزلته وهذا خوف الأعداء منه، وتلك محاولاتهم و وسائلهم لحربه، وتلك المعجزة الخالدة تظهر بحفظ الله له رغم كل ذلك، وصدق الله حيث قال: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} ( [18] ) .

بارك الله لي و لكم في القرآن العظيم ، ونفعني ....

الخطبة الثانية

( الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسنَ أثرهم على الناس و أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، و انتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ). و الصلاة والسلام على الصادق الأمين، وعلى آله الأكرمين، و أصحابه  المتقين.

و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان. و أشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً:

أما بعد :

عباد الله : - اعلموا حفظكم الله -

أن حفظ الله للقرآن لم يتم بملائكة منزَلين من السماء، ولا بأمور غيبية، لا دخل للأسباب فيها، و إنما هيأ سبحانه لذلك الحفظ أسباباً معظمها كان على أيدي الصالحين من عباده؛ وذلك بحفظه في الصدور حفظاً متقناُ كاملاً لجميع سوره و آياته وكلماته وحروفه. بل وللطريقة التي تُقرأ بها تلك الكلمات و الحروف، فلم يبق حرف ولا حركة، إلا وقد حفظه الحفاظ، ولقنوه لمن بعدهم، قال سبحانه وتعالى في صدد الدفاع عنه والرد على من يشكك فيه: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ} {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ  بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ  بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} ( [19] ) و لم يكتفــــــــوا بحفـــظ الصـــدور بل حفظـــــــــــوه بالكتابـــــــة منذ عهد نزولــــه، فكان للرسول r كتبة وحي يكتبون كل آية تنزل، ويضعونها في موضعها من السورة و المصحف، ثم جاء الجمع على عهد أبي بكر بطريقة توثيقية ممن رقــــــي طرق التوثيـــــق بحيث لم يُزد فيه حرف أو يُنقص، أو يحرف منه حرف أبداً، ثم إن عثمان كتب المصاحف على شكلها الحالي، ثم توالت وسائل الحفظ من لغة و نحو و تفسير و قراءات و تجويد و رسم و غير ذلك .

و كل ذلك كان يتلقاه الخلف عن السلف بأسانيد متواترة مستفيضة، لا تدعُ أي مجال للشك في حرف واحد أو حركة واحدة، بحيث لو قُدر أن المصحف المكتوب فُقد نهائياً، لم يضِعْ حرف واحد و لو اجتمعت الدنيا كلها على تغييره أو تبديله لم تقدر على ذلك، إنما هو الجهل بعظمة الله و قدرته و جلاله، والجهل بهذا القرآن و إعجازه، والجهل بهذه الأمة، وما جعل الله فيها من ضمانات للحفاظ على دينها وقرآنها، الجهل بذلك كله هو الذي جعل الأعداء الكافرين يكررون تلك المحاولات الفاشلة لحرب القرآن و أهل القرآن ، و يبذلون في سبيل ذلك الأموال، ويبددون الطاقات، ولا يستفيدون إلا غضب الله و سخطه و تعجيل عقابه في الدنيا قبل الآخرة: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} ( [20] ) هذا هو حفظ الله للقرآن بواسطة هؤلاء الرجال الذين بذلوا أنفسهم ونفيسهم لحفظه  كلٌ في مجال تخصصه.

و نحن اليوم و نحن نعاصر أكبر وأعتى هجمة على هذا القرآن بأخبث و أقذر الو سائل و أكثرها دهاءً ومكراً على يد أقوى قوة بشرية في العالم ، ما هو موقفنا؟ لا شك أن موقفنا هو إحياء ما بدأه أسلافنا من وسائل حفظ القرآن، وذلك: بحفظه، وحسن تلاوته، و تدبره، وبإحياء سائر علومه و ممارستها عملياً و ليس نظرياً فقط. وقد هيأ الله أقواماً لحفظ القرآن و الحفاظ عليه. فنشأت الجامعات و المدارس و المعاهد المتخصصة للحفاظ على القرآن و إشاعة علومه،وأنشأت الجمعيات و المنظمات المتخصصة لذلك.

هؤلاء الرجال الذين سمت هممهم لحفظ القرآن و الحفاظ عليه، إنما يملكون الفكرة والعلم و التخطيط ويقومون بالتنفيذ.

غير أن ذلك كله لا يصلح و لا يتأتى بغير المال، فالمال هو عصَب الحياة، وهو أقوى الوسائل المادية لقيام أي مشروع  و إنجاح أي محاولة؛ و لذلك فقد أوقف آباؤنا و أجدادنا نفائس أموالهم و أملاكهم، و حرموا منها أنفسهم أولادهم لنذر المال الذي يتمكن العاملون للخير من الوصول إلى أهدافهم. فهل أنت يا عبد الله ممن يسهم في حفظ القرآن و الحفاظ عليه  و التصدي لمن يحاربه؟ فالتحِقْ بالركب، وقِفْ في الصف، وابذل ما تستطيع من سهام تُصوَّب إلى نحور الأعداء بما يسره الله لك؛ لتُكتب من الحافظين لكتاب الله، والمحافظين عليه ، ولا تحقرن شيئاً من جهد أو مال تقدر عليه؛ فإن الله لا يضيع شيئاً، بل يقبله ويضاعفه قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} ( [21] ) والدفاع عن كتاب ِالله والحفظ له ، و الحفـــــاظ عليه من أعظـــم الجهـــاد في سبيــــل الله ،وقد قال  الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}  سورة الصف {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} سورة الصف {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} ( [22] ) .

و قال رسول الله r : ( جاهدوا المشركين بأموالكم و أنفسكم وألسنتكم ) رواه أبو داود ( [23] ) و النسائي ( [24] )  عن أنس t .

و في هذا اليوم المبارك سوف تُدَشِّن جمعية الحكمة اليمانية الخيرية حملتها الكبرى لخدمة كتاب الله و حفظه و تعليمه و المسماة ( ينابيع الرحمن ) . و المقصود منها تمويل أنشطة الجمعية الخاصة لخدمة القرآن الكريم من مراكز متخصصة في علم القراءات ، و مدارس تحفيظ ، و توزيع جوائز للحفاظ، وغير ذلك من الأعمال التي تصب في خدمة القرآن.

فساهموا معنا في هذا الجهد المبارك كل على قدر طاقته، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً .

اللهم علمنا من القرآن ما جهلنا ....الخ أدعية انتهاء الخطبة .

 


[1]  (45) (46)  سورة الأحزاب

[2]  (44) سورة الزخرف

[3]  (33) سورة الأحزاب

[4]  (29) سورة الفتح

[5]  (10) سورة الحشر

[6]  (9) سورة الإسراء

[7]  (82) سورة الإسراء

[8]  (15) (16)  سورة المائدة

[9]  (52) سورة الشورى

[10]  (48) سورة المائدة

[11]  (ضعيف جدا) انظر حديث رقم: 2081 في ضعيف الجامع

[12]  سورة الجن (  1) ( 2 )

[13]  (83) سورة المائدة

[14]  (107) (108) (109) سورة الإسراء

[15]  (26) سورة فصلت

[16]  (72) سورة الحـج

[17]  (9) سورة الحجر

[18]  (53) سورة فصلت

[19]  (47) (48) (49)  سورة العنكبوت.

[20]  (36) سورة الأنفال.

[21]  (40) سورة النساء

[22]  (10) (11) (12)  (13) سورة الصف

[23]  صحيح سنن أبي داود 3 / 10

[24]  صحيح سنن النسائي 6 / 7

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم