الكتب والمؤلفات

أسباب انتشار فكر الخوارج في صدر الإسلام

2022-11-20



بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي أمر بالتفكر والاعتبار، وقال بعد ماقص ماجرى ليهود بني النضير جراء مكرهم وخيانتهم: فَاعْتَبِرُوا يتأولي الأنصر والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد الذي جلى لنا حقيقة الخوارج المارقين، وما يجب على الأمة نحوهم بما لم يفعله مع أي فرقة من فرق الضالين المبتدعين، وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله الصادق الأمين. أما بعد: فهذا تلخيص وتهذيب لسلسلة محاضرات كنت قد ألقيتها على بعض طلاب العلم والدعاة إلى الله منذ ما يقارب خمس عشرة سنة، ألقيتها حين كانت بعض الأفكار والمناهج المنحرفة تتفشى وتتوسع وتكتسح الساحة الدعوية في البلاد الإسلامية، بأسلوبها العاطفي المتجدد الغريب على ما يألفه الناس من خطاب دعوي وعلمي، الذي صادف قلوبًا فارغة، ونفوسًا متعطشة للجديد، أيا كان ذلك الجديد، فلما أخذت الصحوة طريقها إلى تلك النفوس والقلوب بادرت للشك في السائد من أساليب الدعوة والتعليم، وتلقفت ذلك الجديد فصادف قلبًا خاليًا فتمكناه وحينها تأملت سر ذلك القبول وعلة ذلك الانتشار لتلك الأفكار، وهل لهذه الظاهرة مثال سابق من حيث قوة التأثير وسرعة الانتشار وتوسعه، فقادني ذلك التأمل إلى النظر في تاريخ فرقة قديمة ضالة هي من أشد الفرق ضلالا ومن أسوأها أثرًا على الأمة، وفي نفس الوقت كانت قد لقيت إبان نشأتها قبولًا كبيرًا لدى فئات كثيرة من عوام المسلمين المحبين للخير، وحولتهم إلى قوة ضاربة أسهمت إلى حد كبير في توقف مد الفتوح الإسلامية، كما أسهمت بقسط وافر في إضعاف الدولة الأموية وإشغال الدولة العباسية ردحًا من الزمن، تلك هي فرقة الخوارج. وقد عرفت بها تعريفا موجزا، ثم ذكرت نشأتها وجذورها التاريخية وأدوارها، ثم عرجت على جملة من الأحاديث الصحيحة المتعلقة بها، ومن خلال تلك الأحاديث عددت أشهر صفاتها مستشهدًا على ذلك ببعض ما جاء عنهم من تصرفات تؤكد ما جاءت به الأحاديث، كما ذكرت أبرز أصولهم التي بنوا عليها مذهبهم أو قل مذاهبهم، ثم خلصت إلى أهم الأسباب التي دعت إلى انتشار فكرهم رغم تلك الانحرافات التي كانوا يبدونها، و قسمت تلك الأسباب إلى أقسام:
القسم الأول ما يعود إلى الأوضاع السياسية والإجتماعية وظهور الإنحراف في نظام الحكم وسير الحكام.
والقسم الثاني ما يعود إلى الخوارج أنفسهم وما يحملونه من صفات وخصائص تفرض الإعجاب بأصحابها لدى من يراها ويسمعها.

والقسم الثالث ما يعود إلى عامة الأمة وما لديها من نزعات تهيء لقبول الغلو وتُعجب بالغلاة، وتتعاطف مع من يصادم الواقع بغض النظر عن استقامته أو انحرافه.


ثم ختمت بخاتمة تعرضت فيها لحقيقة مهمة هي: أن تلك الأفكار المنحرفة والمناهج الضالة مهما كبرت وتضخمت واغتر بها الناس؛ فإن مصيرها إلى الزوال والتلاشي، وقد ضربت أمثلة لكثير من الأفكار التي سادت ثم بادت أو كادت، وبعد الاستعراض السريع لبعض تلك الفرق توقفت عند فرقة هي قريبة العهد بنا حكمتها تلك السنة الكونية انتعاش الباطل ثم زهوقه» فملأت الدنيا ضجيجا، وأشغلت الإعلام ومجالس العلم والدعوة زمنا، واستحوذت على مجاميع هائلة من الشباب المتجه إلى الدين والعلم والدعوة ذكورًا وإناثًا ثم مالبثت أن أصبحت أثرا بعد عين، رصدت ذلك كله لأقول: بأن كثرة الأتباع أو قوة الإنفعال أو إظهار ما قد يكون نكالا على الظالمين أو الكافرين، إن ذلك وحده ليس برهانا على صحة المنهج ولا على استقامة أصحابه ولا على دوام عطائه وإنما هي جولة خاطفة ثم تنتهي : ( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ أَجْتُنَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ، فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جاهُ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُتُ فِي الْأَرْضِ ) وأقول أيضًا: إننا نشاهد وسنشاهد ما يشابه ذلك فلا ننخدع به، ولا يغرنا بقوة أثر، ولا بسرعة انتشار، ولا بكثرة أتباع، ولا بأسلوب خطاب.
وأخيرا أقول: إن المقارنة هنا هي في وسائل الجذب لذلك المنهج وتلك الفرق، وليس تشبيها كاملا لمن نتحدث عنهم من المعاصرين بالخوارج في الضلال وما يستحقونه من أحكام في الدنيا ولا في الآخرة إلا من تشبه بهم فيما يوجب ذلك.
لقد كانت دوافع تلك إلقاء تلك المحاضرات حاضرة في ذلك الوقت، واليوم تجددت دوافع أخرى لإخراج تلك المحاضرات لتناسب النشر، كما قمت بتعديلات يسيرة في صلب الكلام ومضمونه؛ حمل على ذلك الفترة الزمنية الفارقة بين القاء المحاضرات ونشر الكتاب سواء من الناحية الواقعية أو من ناحية ما طرأ على من تغيير لبعض القناعات والمواقف، وقد سميته: (أسباب انتشار فكر الخوارج في صدر الإسلام). أسأل الله يتقبله، وينفع به، ويعفو عن ما فيه من خطأ أو سهو، إنه سميع مجيب.


أحمد بن حسن المعلم

المكلا - حضرموت

ملف

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم