البحوث

الخلاصة في أحكام الزكاة

2010-07-26



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

‏فهذه خلاصة مفيدة تتضمن أهم أحكام الزكاة، ومكانتها في الإسلام، وما يترتب على تركها من أضرار وآثام أسأل الله أن ينفع بها.

‏الزكاة: هي الركن الثالث من أركان الإسلام، تواترت بذلك الآيات والأحاديث وأجمع عليها علماء الأمة، وتكاثرت النصوص الآمرة بأدائها والمحذرة من منعها، حتى أنها قرنت بالصلاة في اثنين وثمانين موضعاً في القرآن.

‏وقد رتب الله الفلاح على أدائها، فقال: [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى] {الأعلى:14}، كما رتب النار على تركها فقال: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ] {التوبة:35،34}.

‏وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن مانع الزكاة ينقلب ماله وبالاً عليه يوم القيامة في أحاديث كثيرة.

‏أما ما يترتب على تأديتها في الدنيا، فمؤديها ينال البركة في المال، والمحبة بين الناس، وحفظ أمواله من الآفات.

وتاركها تمحق أمواله، وتسوء سمعته، ويعزر إن كان فردا تعزيراً شديداً، وإن كان الممتنع جماعة ذات شوكة قوتلت كما فعل الصدّيق بمانعي الزكاة من المرتدين، وجاحدها يكفر بالإجماع.

‏وقد فرضت الزكاة في أكثر الأموال تداولاً، وهي: الحبوب، والثمار، والسائمة من بهيمة الأنعام، والنقدان، وعروض التجارة.

 

زكاة الحبوب والثمار:

‏تجب في الحبوب والثمار يوم حصادها إذا بلغتا النصاب وهو (خمسة أوسق) أي ثلاثمائة صاع، بالصاع الذي يخرج في زكاة الفطر ومقداره بالوزن(635)كيلو جراماً من القمح المتوسط تقريباً، وما دون ذلك فليس فيه زكاة إلا أن يتطوع صاحبه.

‏الخضروات والفواكه لا زكاة فيها إلا العنب والتمر.

‏تضم قيمة الخضروات والفواكه مال صاحبها، وتزكى زكاة النقدين.

زكاة الحبوب والثمار مرة واحدة، وإن بقيت عند صاحبها سنين، إلا ‏إن كانت معدة للتجارة فتزكى زكاة العروض.

زكاة بهيمة الأنعام:

‏بهيمة الأنعام التي تجب فيها الزكاة هي: الإبل، والبقر، والغنم؛ بشرط أن تبلغ النصاب، ويحول عليها الحول، وأن تكون راعية أكثر الحول.

وأما ما كان منها معلوف أكثر الحول، فلا زكاة إلا إن كان معدّاً للتجارة.

‏ونصابها كالآتي: الإبل خمس، والبقر ثلاثون، والغنم أربعون، ولا زكاة فيما دون ذلك، وما فوقه ففيه مقادير مختلفة تراجع في كتب الفقه.

زكاة النقدين ( الذهب والفضة ):

‏النقدان: هما الذهب والفضة على أي شكل كانا، تبراًَ (خاماً) أو سبائك، أو نقوداً، أو حلياً، أو تحفاً، أو أواني أو غير ذلك.

‏ولا تجب فيهما الزكاة إلا إذا كانا ملكا لصاحبهما وبلغا النصاب وحال عليهما الحول.

‏أما الملك فمعناه: ألاّ يكونا عنده وديعةً ولا رهناً ولا وقفاً ولا ديناً ‏حالاً أداؤه ينتظر أن يأخذها صاحبها في أي وقت.

‏وأما النصاب فهو: المقدار الذي لا زكاة فيما دونه، وهو كما يلي:

‏نصاب الذهب الخالص (85) جراماً، ونصاب الفضة الخالصة (595) جراماً.

وأما الحول فهو: أن تمضي سنة كاملة من يوم تم ملك النصاب، ‏وهناك تجب الزكاة في جميع الموجود.

‏عند تمام الحول يزن المزكي جميع ما لديه من الذهب الفضة ويخرج (2.5%).

‏وله أن يخرج من نفس المزكى، أو أن يخرج القيمة إذا شق عليه إخراج الذهب والفضة.

‏إذا كان الذهب أو الفضة مخلوطين بغيرهما زكى الصافي منهما دون غيره.

‏لا زكاة في الجواهر أو الأحجار الكريمة وما شابههما من المعادن الغالية إلا إذا كانت للتجارة.

زكاة الأوراق النقدية:

‏الأوراق النقدية تزكى زكاة الذهب، حيث أنه هو الذي يكثر التعامل ‏به هذه الأيام.

‏يكون حساب الحول من يوم أن تبلغ الأوراق (بأي عملة كانت) قيمة نصاب الذهب (85) جراماً، ثم يحول عليها الحول وهي في ملك صاحبها، يجب إخراج زكاتها على نحو ما ذكرنا في الذهب والفضة.

‏إذا ملك شخص ما قيمة (85) جرماً من الذهب في رمضان، ثم استمر ملكه لهذا المبلغ أو زاد عليه حتى أتى رمضان المقبل وجبت الزكاة.

وإذا ملك نصاباً ثم صرفه أو بعضه بحيث نقص ما بقي معه عن ‏النصاب فلا زكاة في الباقي.

‏أما إذا عاد إليه مقدار النصاب أثناء الحول، فإن الحول الجديد من ‏يوم تمامه، ويلغى الحول الأول.

‏الذي يتكون ماله على دفعات لا علاقة بعضها ببعض كالموظف مثلاً، فالأفضل له أن يجعل له حولاً واحداً في آخره، يحصي جميع ما عنده، ثم يخرج الزكاة عن الجميع.

‏زكاة عروض التجارة:

‏عروض التجارة هي: كل مال قصد بتملكه البيع والشراء، سواء أكان سلعاً أو عقاراً أو آليات، وأي شيء مما يجوز بيعه وشراؤه.

تقوم هذه العروض بقيمتها الحاضرة، سواء زادت أو نقصت عن قيمتها الأصلية.

وتحسب قيمتها كما مر في زكاة الأوراق النقدية.

الأموال المتخذة للقنية أو الاستعمال لا زكاة فيها وإن كانت تدر على أصحابها دخلاً، مثل: العمائر التي تؤجر ،أو السيارات الخاصة، وسيارات النقل والأجرة، وآلات المصانع، كل ذلك لا زكاة في أصله، وإنما يضاف دخله إلى النقود السائلة ويزكى الجميع.

مصارف الزكاة:

تصرف الزكاة لأصناف من الناس منهم:

أ- الفقراء والمساكين وهم: من ليس لهم مال، أو لهم، ولكن لا يكفيهم لحوائجهم الضرورية.

ب- الغارمون وهم: أصحاب الديون الذين لا يستطيعون أداءها، وليس لهم مال يؤدون منه، سواء أكان الدين لإصلاح بين الناس أو لحوائجهم المباحة.

ج- المجاهدون في سبيل الله أينما كانوا.

د- ابن السبيل المنقطع الذي ليس له مال يوصله مطلوبه.

مع العلم أنه لا بأس من أن يدفع المال لواحد من هذه الأصناف أو يوزع بينهم جميعاً.

كما أنه لا بأس من أن يدفع المسلم جميع زكاته لشخص واحد أو أكثر حسب الحاجة والمصلحة العائدة على المحتاج بشرط عدم المحاباة.

لا يجوز إعطاء الزكاة لكافر، ولا لغني، ولا لقوي مكتسب يجد العمل، كما لا يجوز أن يعطيها لأي شخص من أجل مصلحة تعود على المزكي.

ويجوز إعطاؤها للأقارب الذين لا تجب نفقتهم على المزكي مثل: الإخوة والأعمام وأبنائهم والزوج، إذا كانوا من أهل الزكاة، وكذلك نقلها لبلد آخر للحاجة.

‏لا بأس بتقديم الزكاة عن الحول، بشرط أن ينوي أن هذه من الزكاة.

ما أعطاه المرء على سبيل الهبة أو الصدقة أو غير ذلك لا بنية الزكاة فلا يحسب منها.

زكاة الحلي:

‏اختلف في وجوب زكاة الحلي وعدمه، فذهب الجمهور إلى عدم ‏الوجوب، وذهب جماعة إلى الوجوب؛ لقوة دليل القائلين بالوجوب، فلأحوط للمرأة أن تزكي ما تملك (ذهباً كان أو فضةً) إذا بلغت النصاب، على ما مر في زكاة النقدين، سواء كان ملبوساً أو غير ملبوسٍ، تعيره أو لا تعيره.

وتكون زكاة الحلي بإخراج ربع عشر قيمته الحاضرة.

‏وأما الحلي غير المباح كالذهب الذي يلبسه الرجال، أو الحلي غير المستعمل، فلا خلاف في وجوب زكاته.

زكاة الفطر:

‏زكاة الفطر فريضة من فرائض الإسلام، وشعيرة من شعائره ‏العظيمة، وهي تجب على كل مسلم يملك ما يفضل على قوته وقوت من يعوله يوم العيد وليلته، ذكراً كان أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، حتى من ولد آخر يوم من رمضان.

وكان بعض السلف يخرجها عن الحمل ‏وليس هذا بواجب.

‏وهي تلزم المسلم عن نفسه وعمّن يعول، فيخرجها عن نفسه وأزواجه وذريته وكل من تلزمه نفقتهم، وله أن يتطوع بها عمّن لا تلزمه نفقته بإذنه.

‏تجب بغروب الشمس آخر يوم من رمضان، ويجوز تقديمها على ذلك بيوم أو يومين، ولا يجوز تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد، وأفضل وقت لإخراجها يوم العيد قبل الصلاة.

‏يجوز أن يخرج زكاته بنفسه، أو أن يوكل من يخرجها عنه، وهذا في زكاة الفطر وزكاة المال.

‏يجوز أن يجمع أهل الحي زكاتهم جميعاً ويوزعوها على المحتاجين.

‏كما يجوز أن يعطوها لجنة منهم أو من غيرهم؛ لتتولى توزيعها.

‏إذا طلب ولي الأمر الزكاة جاز دفعها إليه، وأجزأت عن صاحبها، سواء وضعها في مواضعها، أو لم يضعها في مواضعها.

‏الواجب في زكاة الفطر صاع من طعام، أي طعام يقتات عليه الآدميون‏، ووزنه (4/2،1كيلو) من القمح المتوسط أو الرز.

‏لا يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر، ولكن يجوز أن تدفع النقود لوكيل يقوم بشراء الطعام وإعطائه للمحتاجين.

‏تصرف زكاة الفطر للفقراء والمساكين، ولا بأس بصرفها للغارمين والمجاهدين.

‏ما يفعله بعض أهل القرى من تبادل زكاتهم فيما بينهم غير صحيح، ولا يجوز إلا لمن كان محتاجاً.

‏إن كان لديهم فقراء، ولو قليل أعطوهم جميع الزكاة، وإن لم يوجد تنتقل إلى فقراء القرى المجاورة.

‏يجوز أن تعطى فطرة أكثر من واحد لفقير واحد، ويجوز أن تصرف فطرة الواحد على أكثر من فقير.

‏الفقير إذا أعطي من الزكاة ما يزيد على حاجته يوم العيد وليلته، يجب أن يزكي عن نفسه ومن يعول، وإن لم يكف عن الجميع زكى عن نفسه ثم الأقرب فالأقرب.

نقلاً عن مجلة المنتدى العدد (79) شعبان 1424هـ / أكتوبر 2003م.

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم