البحوث

تحفة الألباء في الإجابة عن أسئلة الأطباء

2010-07-26



س1: ما حكم الصلاة في المستشفى أثناء الدوام والمسجد قريب، وهل يجوز للطبيب تأخير الصلاة؛ لأجل انشغاله في علاج حالة، أو تزاحم العمل، وما الضابط؟

الجواب: إذا كان الطبيب أو العامل الصحي ملزمًا أن يبقى في موقع عمله، ولا يغادره إلى أي مكان آخر؛ لحاجة الناس إلى وجوده، ولاحتمال ورود حالات طارئة، يؤثر التأخيرُ عن علاجها على صحتها، فالذي يظهر أن المكلَّف بذلك معذور من الذهاب إلى صلاة الجماعة، وله أن يصلي في موضع عمله، فإن كان المكلَّفون جماعة، ويمكن إذا ذهب بعضهم للصلاة أن يسد الباقون الحاجة، فليتفقوا فيما بينهم، بحيث يتناوبون في الذهاب إلى الصلاة في المسجد، فلا يُحرَم جميعُهم من الأجر والثواب المترتب عليها.


س2: هل يجوز للطبيب الخروج من المستشفى قبل الدوام، إذا أنهى كل أعماله من متابعة المرضى؟

الجواب: إذا كان الاتفاق ونظام العمل يقضي ببقاء الموظف في موضع عمله طولَ دوامه، سواء كان طبيبًا أو غيره - فليس له أن يخرج؛ إلا بحسب ما يخوله النظام، وبالاستئذان ممن له حق الاستئذان؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((المسلمون عند شروطهم))، ولأنه قد يأتي فجأة حاجة له، فإذا كان قد خرج من المستشفى، فإنه يفوت القيام بتلك الحاجة، التي هي من صميم عمله، وقد أخذ الأجرة، حاسبه الله على العمل، فلا يجوز التأويل الواسع، وتعليل تلك التصرفات، أو تقليد مَن يخالفون في ذلك.


س3: هل يجوز مس المرأة؛ كالمسك بيدها، أو على جبينها، كإيناسها والتخفيف من روعها، خاصة إذا كانت كبيرة؟

الجواب: الأصل أن مس الرجل للمرأة الأجنبية لا يجوز؛ لقول عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما مستْ يدُه يدَ امرأة قط" أو كما قالت، وحتى في البيعة قد كان يصافح الرجال؛ لأخذ البيعة، أما النساء فيقول لهن: ((اذهبن فقد بايعتُكن))، فإذا مدَّت امرأة يدَها، قال لها: ((إني لا أصافح النساء))؛ بل ثبت أنه قال: ((لأن يُطْعن في رأس أحدكم بمِخْيَط من حديدٍ خيرٌ له مَن أن يمس امرأة لا تحل له))؛ رواه البيهقي والطبراني، وصححه الألباني.


فعلى ذلك؛ لا يجوز للطبيب ولا لغيره مسُّ المرأة الأجنبية، شابة كانت أو مسنة، غير أن للضرورة حكمَها، فإذا كان هناك ضرورة أو حاجة ماسة للمس، فلا بأس به، بشرط أن يكون بقدر الحاجة، وفي الموضع المحدد، وبدون شهوة.


س4: بعد التخدير أو غيره، يفشي بعض المرضى لا إراديًّا بأسرار خاصة، ما عمل الطبيب في هذه الأحوال؟

الجواب: هذه الأمور التي يقولها الرجل أو المرأة يجب أن تُسْتر، ولا يجوز لأحد من الحاضرين تعمُّدُ الإصغاء إليه، فضلاً عن حفظ ونشر ما يقول؛ وذلك أولاً: أن في هذا ما يشبه التجسس على المريض، وثانيًا: أن مَن يتحدث وهو فاقد الوعي، فإن كلامه لا يؤاخَذ به مطلقًا، ولا تترتب عليه أية أحكام، ثم إن المسلم مطالَب بالستر؛ ((مَن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة))؛ رواه مسلم، ونقل تلك الأقوال قد تسبب الفتنةَ، وخلافات عائلية تتعدى الحدود الشرعية، فلا يجوز نقلُها، إلا في حالات نادرة جدًّا، وذلك فيما لو كشف المريض عن سرٍّ يكون في معرفته مشكلة كبيرة؛ مثل لو دلَّ على سحر لرجل أو امرأة، وقال: إنه موجود في المكان الفلاني، هنا يمكن الدلالة على ذات السحر، وإخراجه وإبطاله، دون أن يقال مثلاً: فلان هو الذي فعله؛ لأن في الدلالة على ذات السحر حل مشكلة، أما التصريح باسم مَن فعله، فهو إحداث مشكلة، وكلام المخدر لا يعتبر حُجة على المتهم، فالنصيحة هي الإعراض عن سماع كلام المريض، وأن مَن سمع شيئًا يستر عليه، وألا يَنقل ذلك الكلامَ إلى صاحب الشأن ولا إلى غيره؛ إلا في الحدود الضيقة التي أشرت إليها.


س5: يقوم بعض الأطباء بأمر بعض المرضى بالرقاد؛ من أجل تعليم الطلبة، وربما كذب عليه بضرورة الرقاد؟

الجواب: لا يجوز ذلك، بل إن ذلك التصرف من قِبَل الطبيب خيانةٌ لمهنته الشريفة، وإثم عند الله، وجناية على ذلك الشخص البريء، وأما التعليم، ففي المرضى الحقيقيين كفاية، مع الحذر مِن تجاوز الحد المطلوب للمريض؛ حتى لا تُنتهَك حقوقُه باسم التعليم، وعلى الجهات المختصة توفيرُ البدائل التي تؤدي الغرض، وتقي من انتهاك حقوق المرضى.


س6: ما الضابط في التعامل مع هدايا وعطايا شركات الأدوية الإسلامية أو غيرها؛ من أجل أن تنفق أصنافهم؟

الجواب: لا بأس من قبول هدايا شركات الأدوية، وصرفها مجانًا، أو بثمن إذا لم يشترط توزيعها مجانًا من قبل الطبيب، بشرط أن يكون الدواء في نفسه نافعًا ومباحًا، وألا يُقصد من تلك الهدايا رشوةُ الأطباء والتأثير عليهم؛ لصرف الأطباء حين يصفون الدواء إلى تلك الشركات، دون مراعاة للفوائد والمضار المترتبة على ذلك، فالطبيب الذي يصرف دواءً يعرف أن غيره خيرٌ منه وأنفعُ للمريض؛ من أجل مجاملة، أو تحقيق مصلحة شخصية، أو للشركة الموزعة لذلك الدواء - يعتبر خائنًا وآثمًا بعمله ذلك، وإنما الواجب عليه صرف أفضل ما يعرف من دواء للمريض؛ إلا إذا استدعت حاجةُ المريض الصحية أو المالية خلافَ ذلك، بحيث لا يخرج عن مصلحة المريض نفسه، كذلك لا يجوز للطبيب ربطُ الناس بوكالة أدوية معينة، أو صيدلية معينة؛ لأجل أن يحصل هو على عمولة منها.


س7: ما موقف الطبيب تجاه بعض زملائه في المهنة، إذا كان قد كرر نُصحَهم في الإهمال، أو كان لا يستطيع ذلك؟ هل له التبليغ عنهم للإدارة؟ وإذا تأكد عدم جدواه، هل له تحذير المريض؟

الجواب: يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((الدين النصيحة)) قالها ثلاثًا، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم))؛ رواه مسلم، فعلى الطبيب أن ينصح أخاه وزميله الآخر، إذا رأى عليه ما يستوجب النصيحةَ، سواء فيما يخص مهنته أو سلوكه، وعليه أن يسلك أفضل الطرق لذلك، وأن يختار الكلام الفردي بينه وبينه، دون أن يشهر به بين الناس، فإن قَبِل كان ذلك المطلوب، وإن لم يقبل واستمر على العناد والمكابرة، واستنفدت طرق النصيحة دون جدوى - فعليه أن يرفع أمره إلى المسؤولين عنه، وذلك من باب النهي عن المنكر، بشرط ألا يكون له أي غرض من ذلك سوى تقويمِ العمل وإصلاحه، فإذا كانت الجهات المسؤولة غير متجاوبة ولا فاعلة، فعليه أن يحذِّر المريض إذا سأله عن ذلك، أو علم أنه سيتعرض لضرر كبير في جسمه أو عِرْضه، وأنصح الأطباء وغيرهم ألاَّ يغتابوا مَن يحصل منه ذلك النقص والخطأ، ويتندروا به في مجالسهم دون علمه، فإن ذلك من الغِيبة المحرَّمة، زيادة على أنه لا جدوى أبدًا من مثل ذلك السلوك، إلا غرس البغضاء والأحقاد في النفوس فيما لو علم باغتيابهم له.


س8: هل يجوز التوعية الجنسية حول استخدام الواقي الذكري كحد من انتقال الأمراض الجنسية؟

الجواب: التوعية حول استخدام الواقي الذكري، وغيره من وسائل منع الحمل، أو منع انتشار الأمراض الجنسية - يجوز للأزواج والزوجات، والشباب المقبل على الزواج – أي: في حدود العلاقات الجنسية المشروعة - أما التوعية العامة، أو توعية مَن يشتبه في ممارستهم لعلاقات محرَّمة من زنا ولواط - فإن ذلك لا يجوز؛ لأن فيه إعانة لهم على المضي في سبيل الفاحشة مع الأمن من بعض أضرارها، وعلينا ألا ننجرَّ وراء دعايات المنظمات التي تهوِّن الفاحشة أو تشجع عليها، وإنما نأخذ من تجاربهم ومن نصائحهم بما يتناسب مع ديننا وقيم مجتمعنا فقط.


س9: ما الضابط في صرف الإجازات للمرضى، وما حكم صرف إجازات لغير المرضى؟

الجواب: يقول - تعالى -: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، ويقول - سبحانه -: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: 152]، والطبيب يرجع إليه في تقرير استحقاق الإجازة أو عدمه، باعتباره قاضيًا في هذه المسألة، ومأمونًا عليها، فيجب عليه أن يكون صادقًا عادلاً، مهما كانت المسوغات لقول غير الحقيقة، فإن أعطى إجازة لغير مستحق، فقد جار في حُكمه، وكذَبَ في قوله، وخان أمانته، وانتقص من دينه لنفع سواه، وهذا لا يفعله العاقل الحريص على النزاهة، والخائف من تحمل الأوزار، فليتَّقِ اللهَ الطبيبُ، وليقُل كلمة الحق، ولا يحمله مجاملة، أو عاطفة، أو مصلحة خاصة على قول غير الحقيقة.


س10: ما حكم قيام الطبيب بعملية الإجهاض للمرأة الحامل عمومًا، وما الحالات التي يجوز له القيام فيها بتلك العملية؟

الجواب: الإجهاض أمر ممنوع ومحرَّم عند جميع الأمم، سواء منها ذات الديانات السماوية أو غيرها، ولم يُبَح على مدار التاريخ إلا بعد قيام النهضة الحديثة في أوربا، حيث أُخرجت المرأة من بيتها، واستُغلَّت في عدة ميادين، ومنها ميدان (الدعارة) المقننة، فلما كثرت الفاحشة، وكثر نتيجةً لها الحملُ غير المرغوب فيه، بدأ تشريع إباحة الإجهاض تدريجيًّا، حتى وصل غايته في نهاية القرن الماضي، ولا تزال الدول الإسلامية في جملتها تحرِّمه، ما عدا دولة أو دولتين شذت عن ذلك الاتجاه.


هذه لمحة إجمالية عن تاريخ الإجهاض، وأما حكمه في الشريعة الإسلامية، فهو حرام؛ بل من أكبر الكبائر؛ لما يترتب عليه من إزهاق أرواح، وانتهاك حقوق، وفتح لباب الرذيلة والفاحشة في المجتمع، فلا يجوز للطبيب، أو أي عامل صحي، أو غير صحي - الإقدامُ على تلك العملية (الجريمة)، كما لا يجوز له الإرشاد إلى ذلك؛ إلا في الحالات التي بيَّن العلماء جواز إجراء الإجهاض فيها، ومنها:

أن يترتب على بقاء الجنين في بطن أمه خطرُ الوفاة المحقق عليها، ففي هذه الحالة، وبعد أن يشهد طبيبان عارفان ثقتان على الأقل بذلك.

وهناك بعض الحالات الأخرى النادرة، يمكن أن يفتى فيها في حينها، وقد سبق أن أفتيت في هذه المسألةِ فتوى موسعةً، يمكن الرجوع إليها[1].


س11: ما حكم الإجهاض من حيث الطهارة؟ هل لها حكم النفاس أو المستحاضة؟

الجواب: السقط الذي يخرج من المرأة لأي سبب، يُنظر فيه، فإن كان مضغة – أي: قطعة لحم فما فوقها - فإن ما يخرج بعدها من الدم هو دم نفاس، وعلى المرأة أن تلتزم أحكام النفاس، حتى ينقطع عنها أو تكمل أربعين يومًا، وأما إن كان السقط مجرد نطفة أو علقة - دم جامد أو غليظ - فإن الدم الخارج بسبب ذلك هو دم استحاضة وفساد، فتلتزم في ذلك أحكام المستحاضة، والله أعلم.


س12: ما حكم السخرية من المريض أثناء علاجه، خاصة العلاج الجراحي؛ من أجل التسلية وتمرير الوقت؟

الجواب: السخرية على كل الأحوال حرام لا تجوز؛ لقول الله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا} [الحجرات: 11]، والأدلة كثيرة، ولكن لا بأس بالمداعبة التي لا تجرح شعوره، ولا تشعره باحتقار الطبيب له.


س13: ما حكم خلوة الطبيب بالطبيبة أو الممرضة في مناقشة أحوال المرضى؛ وذلك لما تفرضه طبيعة العمل؟

الجواب: لا يجوز ذلك؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما خلا رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما))، وقد قرر العلماء منعَ خلوةِ الرجل بالمرأة الأجنبية، حتى ولو كان يعلِّمها القرآن، ودعوى أن هؤلاء جمعتْهم مهنةُ الطب، وأنهم على مستوى من الثقافة والمكانة العلمية تمنعهم من الالتفات إلى الجوانب الجنسية - كلامٌ لا دليل عليه؛ بل إن ما يحكى من تعلُّق بعض الأطباء والعاملين الصحيين بالطبيبات والعاملات، ووصول بعض تلك الحالات إلى العلاقات المحرمة - دليلٌ أن تلك الدعوى غير صحيحة، فالرجل يبقى رجلاً أينما كان، والمرأة كذلك؛ لذا لا يجوز الخلوة بالطبيبة، ولا بالممرضة، ولا بعاملة العيادة، ولا بالمريضة؛ بل لا بد من وجود أكثر من شخص عند الحاجة إلى اجتماع بعض النساء مع الرجال في مكان واحد، والله أعلم.


س14: يحتاج الطبيب في علاج بعض حالات الاكتئاب إلى الخلوة بالمريض، وربما احتاج إلى علاج خوف المريضة بالنكتة والدعابة، فما حكم ذلك؟

الجواب: لا يجوز الخلوة بالمريضة بأي حال من الأحوال، ولكن لا بد من دخول بعض أهلها رجالاً أو نساء، وعلى الأقل إذا تعذَّر دخول أحد من أهلها، أن يكون معهما ممرض أو شخص آخر من العاملين في المستشفى أو غيرهم؛ حتى ترفع الخلوة المحرمة، التي سبق الدليل على تحريمها والتشديد في ذلك، وأما أن يداعبها للغرض المذكور في السؤال، إذا كان ذلك بحضور بعض أهلها، فلا حرج في ذلك - إن شاء الله.


س15: ما حكم الاستئذان عند دخول غرفة النساء؟

الجواب: يجب على كل رجل يعمل في المستشفى أو زائر، إذا أراد الدخول إلى قسم النساء، أو الغرف المخصصة لهن - أن يستأذن؛ حتى يمكن للمرأة أن تصلح من وضعها، وتلبس حجابها، وليتصور هذا العاملُ الصحي أو الطبيب الزائر أن زوجته هي المرقدة (المريضة) والمنكشفة، ويفاجئها الرجال بالدخول وهي كذلك، أتراه يرضى بذلك؟! قطعًا لن يرضى بذلك، إذًا الناس لا يرضَون أن ينظر إليها الرجال على تلك الحال.


س16: ما حكم عمل الفحص المهبلي السريري؟ وهل عمله ينقض الوضوء؟

الجواب: هذا الفحص الواجبُ أن تقوم به الطبيبات المؤهلات، ويجب تأهيل عدد منهن؛ حتى يقدرن على ذلك، وعلى جميع العمليات المتعلقة بأمراض النساء، المستلزمة فحص العورة المغلظة، ولا يجوز التساهل، لا من قِبل المريضات وأولياء أمورهن، ولا من قِبل القائمين على المؤسسات الصحية، والتسرع في تمكين الأطباء الرجال من فحص النساء مهبليًّا، إلا بعد تعذر القيام بذلك من الطبيبات.

وأما ما يخص نقض الوضوء بذلك، فإن أكثر أهل العلم على أن مس الفرج ناقض للوضوء، سواء مسَّ فرجَ نفسِه، أو مس فرج غيره، والله أعلم.


س17: هل يجوز إعادة فحص المريضة مهبليًّا للتعلم؟

الجواب: لا يجوز إعادة الفحص المهبلي للمرأة التي قد تم فحصها، الذي كانت محتاجة إليه، أو حال كونها غير محتاجة أصلاً، لا يجوز ذلك للتعليم ولا لغيره؛ فإن ذلك عدوان على تلك المرأة، وانتهاك لحرمتها، وإجرام في حقها، وعلى المؤسسات الصحية والجامعات توفيرُ البديل عن ذلك؛ حتى لا تتسبب في تلك الانتهاكات للحقوق والأعراض.


س18: الدخول والخروج إلى غرفة الوضع؟

الجواب: قد سبق في الجواب الخامس عشر: أن دخول الرجال أقسام النساء العامة ومواضع الترقيد - لا يجوز إلا بعد الاستئذان، وتمكين النساء من التستر، فما بالك في غرفة الوضع التي تكون فيها المرأة على أفحش صورة من التكشف، وهي مجبرة على ذلك؟! كيف يجوز الدخول عليها إلا للعاملات أو الطبيبات المتخصصات، أو من لا بد من دخولهن من العاملات؟! ولا يجوز دخول الرجال أصلاً إلا في الحالات التي يعدُّ دخولهم فيها ضرورة قصوى، وبعد ستر ما يمكن ستره من النساء اللاتي في تلك الغرفة، وستر المريضة المراد علاجها، إلا موضع الحاجة؛ فلا يكشف منها إلا ما لا بد من كشفه، أما بقية جسدها، فيجب ستره وإن كان المكشوف هو الفرج، فإن ذلك لا يبيح كشف غيره من أجزاء الجسد التي لا حاجة لكشفها، وأما العمال العاديون من الرجال، فيجب منعهم من الدخول؛ لإمكانية وجود النساء اللاتي يقدرن على القيام بذلك العمل، وإن احتيج إلى تدريبها، فيجب تدريبهن؛ حتى تكون الكفاية، والله أعلم.


س19: الكذب على المريضة من أجل التعلم؟

الجواب: الكذب حرام على كل الأحوال، جدًّا أو هزلاً، ولا يباح إلا في حالات، ليس منها الكذب على المريض أو المريضة من أجل التعليم، والله أعلم.


س20: ما حكم الاحتجاج بالقدر، إذا أخطأ الدكتور وارتكب في حق المريض تلفًا أو موتًا يقول: هذا مكتوب, قدره الله؟ وهل يكون عليه شيء؛ مثل الدية أو أَرْش؟

الجواب: الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، والرضا بالقدر في حال حصول المصائب والأمراض والمتاعب هو المطلوب من المؤمن؛ فعن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمَن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط))؛ رواه الترمذي وحسنه.


فهذا هو مقتضى الإيمان بالقدر، وأما أن يحتج المرء بالقدر على أخطائه وتقصيره وذنبه، فإن ذلك لا يجوز، ولا يدخل في هذا الباب قول الله - تعالى - منتقدًا على المشركين المحتجين على شركهم بالقدر: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ * قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 148، 149].


قال الشيخ السعدي - رحمه الله تعالى -: "فأخبر - تعالى -: أن هذه الحجة لم تزل الأمم المكذبة تدفع بها عنهم دعوةَ الرسل، ويحتجون بها، فلم تجدِ فيهم شيئًا ولم تنفعهم"، ثم ذكر لردها عدة أوجه...حتى قال: "ومنها: أن المحتجين على المعاصي بالقضاء والقدر يتناقضون في ذلك؛ فإنهم لا يمكنهم أن يطردوا ذلك؛ بل لو أساء إليهم مسيء بضرب، أو أخذ مال، أو نحو ذلك، واحتج بالقضاء والقدر - لَمَا قَبلوا منه هذا الاحتجاجَ، ولغضبوا من ذلك أشد الغضب، فيا عجبًا! كيف يحتجون به على معاصي الله ومساخطه، ولا يرضون من أحد أن يحتجَّ به في مقابلة مساخطهم؟!" (ص 241).


وعلى ما ذكر؛ فإن ذلك الاحتجاج يكون من المغالطة؛ بل من سوء الأدب مع الله - تعالى - حيث يحتج بقدره على معصيته، أو على تقصيره.


وأما ما يترتب على ذلك الخطأ، فإنه إن كان ناتجًا عن جهل بذلك العمل، وتعرض لما لا يحسنه ذلك الطبيب، أو كان ناتجًا عن إهمال منه - فإنه يُلزَم شرعًا بالدية أو الأرش الذي يجب للمتضرر من عمله, وللمريض وأولياء المتوفى محاكمتُه والمطالبة بحقهم الشرعي منه، كما أن على الجهات المختصة أن تمكن أولئك من أخذ حقهم، وأن تقوم بتأديب ذلك الجاهل أو المهمل تأديبًا شرعيًّا يردعه، ويكون نكالاً لغيره، والله أعلم.


س21: ما حكم صرف (روشتة) للموظف؛ لأخذ مخصص العلاج المقرر له خلال الشهر أو السنة، مع العلم أنه لا يعالَج عند ذلك الطبيب، ويبرر ذلك بأن هذا مبلغ مخصص له أصلاً للعلاج، ولا يمكن الحصول عليه إلا من خلال روشتة من الطبيب؟

الجواب: هذا المبلغ الذي تعطيه بعض الدوائر أو الشركات لموظفيها، إنما هو مساعدة أو استحقاق مشروط بأن يحتاج الموظف إليه حاجة صحيحة، فله في حال الحاجة أن يتعالج أو يعالج من يشملهم ذلك الضمان إلى سقف محدد، هو ذلك المبلغ المنصوص عليه، وهو موازنة ما صرف إليه بالشرط المذكور، وما لم يصرف فإنه يعود إلى مصدره الأصلي، ولا يجوز للموظف أن يحتال على صرف المبلغ بطريق غير شرعي؛ فهو لم يستحقه كله، وإنما استحق ما احتاج إليه منه، فإن تحايل وكذَب، وزوَّر الفواتير أو السندات أو الروشتات، فهو كاذب مزور، عليه إثم المزورين وعقوبتهم في الدنيا، في حال ثبوت ذلك عليه، وكل من أعان على ذلك التزوير فعليه مثلُ وزرِه، لا ينقص من وزره شيء؛ والله - تعالى – يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، ولا يسوغ للموظف، ولا للطبيب، ولا للطبيبة فعلُ ذلك، كون أكثرِ الناس يفعلونه، فإن الأكثرية ليست حجة؛ بل إن ذلك من الفساد الذي ننكره جميعًا، فكيف يليق بنا أن نساهم فيه؟!

 

*    *    *    *


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد:

فهذه إجابات على أسئلة وردت من صحيفة "شبام" حول الإجهاض:

السؤال الأول: هل الإجهاض يُعَدُّ نوعًا من أنواع القتل والوأد؟

الجواب: نعم، يعد الإجهاض من التعدِّي على النفس البشرية، ويمكن أن يطلق عليه اسم القتل؛ لأنه في بعض صوره إزهاق لنفس بشرية حية، وهذه حقيقة القتل، كما يمكن أن يطلق عليه اسم الوأد، وقد أطلقه عليه بعض العلماء؛ إدخالاً له في عموم قوله - تعالى -: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8، 9]، وفي "صحيح مسلم": أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن العزل، فقال: ((ذلك الوأد الخفي))، والعزل هو الإنزال خارج الرحم؛ أي: إهدار المني دون تمكينه من أخذ طريقه إلى التلقيح، فكيف إذا أخذ في التلقيح، وأصبح كائنًا حيًّا؟!


السؤال الثاني: نتيجة للفساد الأخلاقي، وبُعد المجتمع - بعض أفراده - عن الإسلام وتعاليمه السمحاء، تعدَّدت ظاهرة الإجهاض، خاصة من اللائي يمارسن الرذيلة؛ خوفًا من الفضيحة والعار، ما نظرة الإسلام إلى ذلك؟

الجواب: أن علَّة تحريم الإجهاض اشتمالُه على عدد من المفاسد:

منها: مفسدة القتل وإزهاق النفس البريئة.

ومنها: مفسدة الضرر الحاصل على الأم، والذي قد يصل إلى موتها، أو تعطيل بعض أجهزة جسمها.

ومنها: الضرر الاجتماعي.


وأهمها: تشجيع مَن قلَّت مراقبته لله - تعالى - على ممارسة الزنا، حيث إن أقوى الروادع المادية لدى المرأة انكشاف أمرها، وافتضاحها أمام أهلها ومجتمعها، فإذا أزيل هذا الرادع، ولم يكن لديها رادع الدين والتقوى، تمادت في غيِّها، وانطلقت وراء أهوائها وشهواتها، آمنةً جانبَ الفضيحة؛ وبهذا تكون جريمة الإجهاض مضاعفة، ويكون القائم بها مشاركًا في الإثم المترتب على ذلك؛ بل قد يدخل في قول الله - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19]، ومن هنا فإن كلمة العلماء متفقة على منع وتحريم هذا الإجهاض، وأنه من كبائر الذنوب.


السؤال الثالث: في بعض الحالات، وبعد الفحص المخبري لها، يتضح أن الأم حامل بجنين مشوه بعيب خلقي، أو أن الولادة ستؤثر على حياة الأم، هل يجوز الإجهاض هنا؟

الجواب: للجنين مراحلُ يتكوَّن فيها، وهي مرحلة النطفة – في الأربعين يومًا الأولى - ومرحلة بدء التخلق - وهي من بداية الأربعين يومًا الثانية - ومرحلة ما بعد نفخ الروح.

وقد كثر اختلاف العلماء في المرحلة الأولى - الأربعين يومًا - وذهب الكثير منهم إلى جواز الإجهاض في هذه المرحلة لأي سبب شرعي مقبول، وإن لم يكن ذلك السبب خطيرًا.


وأما المرحلة الثانية - منذ بداية الأربعين الثانية إلى ما قبل المائة والعشرين يومًا - فإن الأكثر على حرمة الإجهاض، وأنه لا يجوز إلا في حالات محددة جدًّا، يكون فيها الخطر متحققًا على الأم، أو يكون الجنين مشوهًا تشوهًا فاحشًا، يصعب معه العيش والنمو واستقرار الحياة المقبولة، أو كان ذلك التشوه قد ثبت بصورة قاطعة، وشهد به طبيبان ثقتان على الأقل، وكان غير قابل للعلاج حسب الإمكانات البشرية المتاحة لأهل الاختصاص، عند ذلك يجوز الإجهاض، وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، في دورته الثانية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من 15 رجب إلى 22 رجب 1410هـ - جوازَ ذلك، حيث قرر "إباحة إسقاط الجنين المشوه بالصورة المذكورة أعلاه، وبعد موافقة الوالدين، في الفترة الواقعة قبل مرور مائة وعشرين يومًا من بدء الحمل".


أما المرحلة الثالثة، وهي ما بعد مرور مائة وعشرين يومًا، وهي المدة التي ينفخ الروح في الجنين بعدها، فقد اتفق العلماء: أن الجنين في هذه الحالة نفسٌ معصومة، وأن إسقاطه عمدًا هو من باب قتل النفس، وبالتالي لا يجوز إسقاطه؛ إلا إذا قرر طبيبان عدلان عارفان فأكثر: أن بقاءه يؤدي إلى موت أمه، عند ذلك تكون المحافظة على حياة الأم أولى من المحافظة على حياة الجنين، وأما إسقاطه بسبب التشوهات الحاصلة، فلا يجوز.


السؤال الرابع: ما نظرة الإسلام للطبيب الذي يقوم بإجراء عمليات الإجهاض بشكل خاص، وحسب الطلب؟

الجواب: هذا الطبيب مجرم من عدة جهات، أهمها: الاعتداء على الأنفس البريئة، والأرواح المعصومة، وداخل في قول الله - تعالى -: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].


وأنه من العاملين على نشر الرذيلة والفاحشة في المجتمع المسلم، فعليه وزره، ووزر من شجعه وأعانه على تلك الفواحش، ويدخل كما سبق في قوله - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 19]، وواجب على ولاة أمور المسلمين زجرُ هؤلاء الناس، الذين يعملون على إفساد المجتمع؛ لقاء مصالح شخصية تافهة، ومعاقبتُهم العقوبة الشرعية الرادعة، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.


وفي الأخير، فإني أقدر لصحيفة "شبام" توجيه هذه الأسئلة الحساسة والمهمة في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها المجتمعات المسلمة، والتي تحارب فيها في شتى الميادين، ومنها الميادين الأخلاقية.

أسأل الله أن يحفظ بلادنا ومجتمعنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه سميع مجيب.


السؤال الرابع: ما حكم ختان الإناث؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، فقد ورد إليَّ سؤال عن حكم ختان الإناث، يزعم السائل فيه أن عددًا من الإناث قد تعرضن لمضاعفات نفسية وجسدية؛ جراء تعرضهن للختان، وبناء على ذلك فإنه يسأل عن مشروعية ممارسة هذه الظاهرة في المجتمع.


وأقول مستعينًا بالله: إن الختان - بشكل عام للذكر والأنثى - ليس بظاهرة، وإنما سُنة من سنن الفطرة كما صح بذلك الحديث, وأخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه – ولفظه: ((الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط))، والفطرة هي الطبيعة السليمة التي لم تُشَب؛ كما قال الله - تعالى -: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30]، قال البيضاوي - رحمة الله -: "هي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء، واتَّفقت عليها الشرائع, وكأنها أمر جِبِلِّي فُطِروا عليه"، نقله عنه الحافظ ابن حجر في "الفتح" (10/ 339)، وأقره علية دون تعقيب.


وقد ابتدأها إبراهيم أبو الأنبياء - عليه الصلاة والسلام - كما ثبت في صحيح البخاري ومسلم؛ ولذلك فقد بقي في ذريته كما هو معروف عند العرب واليهود؛ بل إن أمة العرب تُعرف بأنها أمة الختان؛ كما في حديث أبي سفيان، في قصة هرقل عند البخاري وغيره، وفيه: "إني رأيتُ الليلة حين نظرت في النجوم أن ملك الختان قد ظهر, فمَن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود، فلا يهمنك شأنُهم, واكتب إلى مدائن مُلكك، فيقتلوا مَن فيهم من اليهود، فبينما هم على أمرهم، أتي هرقل برجل من غسان، يخبر عن خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه، فحدَّثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب فقال: هم يختتنون، فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر".


إذًا فأمة العرب أمة الختان، المأخوذ عن إبراهيم - علية السلام - وليس الختان فيها مقتصرًا على الرجال؛ بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا التقى الختانان، فقد وجب الغسل))، والختان عند العرب عام في الرجال والنساء، وكان هناك خاتنات مشتهرات بذلك؛ ففي البخاري في قصة غزوة أُحد: أن حمزة - رضي الله عنه - قال لسباع بن عبدالعزى: "يا ابن أم أنمار، مقطعة البظور"، قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (7/ 369): "قال ابن إسحاق: كانت امرأة ختانة بمكة، تختن النساء"، وفي المدينة كانت أم عطية، كما في حديثها المشهور الذي حسنه الشيخ الألباني في "السلسة الصحيحة" رقم (722)، وإن كان قد خالفه بعضهم فضعفه، فإن الوقائع تَثبت بأقل من ذلك بكثير، كما هو معروف عند أهل التاريخ والأدب، وإن لم يثبت حكم شرعي؛ لكن المطلوب إثبات أن عادة الختان مشهورة عند العرب، وجاء الإسلام فأكَّد ذلك بجعله من سنن الفطرة، وعلى ذلك جرى الصحابة وفقهاء المذاهب الإسلامية، ما بين قائل بالوجوب، وقائل بالسنية، وقد أورد الشيخ الألباني في "السلسة الصحيحة" (2/ 357، 358) عددًا من الآثار تؤكد ذلك، وتبين اعتناء الصحابة به؛ كأثر عثمان وعائشة - رضي الله عنهما - والحسن البصري - رحمه الله.


قال ابن القيم – رحمه الله -: "فالختان للحنفاء بمنزلة الصبغ والتعميد لعباد الصليب، فهم يطهرون أولادهم - بزعمهم - حين يصبغونهم في المعمودية، ويقولون: الآن صار نصرانيًّا، فشرع الله - سبحانه - للحنفاء صبغة الحنيفية، وجعل ميسمها الختان؛ قال الله - تعالى -: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} [البقرة: 138]".


إذًا فالختان موافق للفطرة الإنسانية، والهوية الدينية الحنيفية، والانتماء القومي الأرضي، مخالفًا بذلك شعار النصارى والأمم الوثنية الأخرى، فلا يليق بنا أن نَدعَ صبغة الله، وفطرة الإنسان، وشعار الملة، ونتابع في ذلك أعداءنا على شعارهم وصبغتهم.


وللختان فوائدُ معروفة، وحِكَم ظاهرة وخفية، وحسبك آخر ما كشفته دراسات مرض الإيدز، التي تقرُّها منظمة الصحة العالمية، ويتحدث بها الخبراء في مكافحة الإيدز، والتي تثبت أن ختان الذكور يخفض الإصابة بمرض الايدز بنسبة 64%، أما ختان الإناث فلم أطلع على دراسة منصفة له، ولعل ذلك راجع إلى أن الغربيين يحاربونه، فلا يحبون أن تظهر له أيُّ فوائدَ، ومع ذلك فقد ذكر العلماء المسلمون أن ختان المرأة يعدِّل من شهوتها، إذا فعل بالطرق الشرعية الصحيحة.


أما المضار التي ذكرها السائل، فهي غير حقيقية، ولا جديرة بأن تكون سببًا لمحاربة عملٍ قد قالت مذاهب بوجوبه، وقالت أخرى بسنيَّته؛ إذ إن الأضرار المزعومة طبيعية في مثل هذه الحال، فإذا كان ملايين النساء يختتنَّ، ثم ظهر الضرر على عشرات أو مئات منهن، فما ذاك بمسوغ لإلغاء الختان؛ إذ تلك النسبة الضئيلة يمكن حصولها في كثير من الجراحات الطبية، وحتى في ختان الذكور، فهل ينبري أحد يحارب العمليات الجراحية بزعم أن عددًا من الناس تضرروا منها؟


وأوضح من ذلك نقل الدم، الذي لم يَقُل أحد بوجوبه، ولم يأتِ نص خاص بسُنيته، فإنه قد ثبت أن آلافًا - وربما ملايين الأشخاص - تسبَّب لهم نقلُ الدم في الإصابة بمرض الايدز، فهل نحرِّم ونمنع نقل الدم، أو نعمل على أن يكون نقله بطريقة صحيحة آمنة من الأضرار؟


ثم عبر القرون الطويلة منذ زمن إبراهيم - عليه السلام - إلى يومنا هذا، وختان الإناث يجري لملايين النساء، مع التخلف الواضح في استخدام أدواته، ولم تبرز مشكلة الأضرار المترتبة عليه إلا عندما تبنَّت منظمات الأمم المتحدة في هذا العصر محاربتَه، مع القدرة الفائقة على التغلب على تلك الأضرار لو أرادوا، فبِمَ نفسر ذلك؟


إن الواجب هو أن ندعو لمحاربة الختان الفرعوني المخالف للشرع والفطرة، والذي تحققت مضاره بالاتفاق، وهو غير موجود في بلادنا مطلقًا، ومن قال إنه موجود، فعليه البرهان، وأن ندعو إلى ترشيد الختان بين المسلمين، بما أرشد إليه الشرع، وأقره الطب الحديث، لا أن ندعو إلى إلغائه بالمرة.


وهناك أمر آخر، وهو أن الاستحباب قد يرتفع إلى الوجوب؛ لعارض، مثل: الخوف من اندثار ذلك المستحب ونسيانه، وعدم العمل به، وهذه القاعدة تنطبق على موضوعنا أتم الانطباق، خصوصًا إذا علمنا أن مطالبة المنظمات الدولية بمحاربة الختان يأتي ضمن مجموعة مطالب، كلها أو معظمها على الأقل نقض لثوابتَ دينيةٍ، وأحكام شرعية معتبرة، فإذا انبرى من المسلمين جماعات، كل جماعة تعين وتساعد على نقض ثابت من تلك الثوابت، فماذا يبقى؟ إذ ما من مسألة إلا يوجد لها مَن يؤيدها من المنتمين للإسلام اليوم، فإذا فعلنا ذلك كفَيْنا أعداءنا المؤونة، وقمنا عنهم مجتمعين بهدم جانب كبير من جوانب الإسلام.


وبعد هذا المدخل الذي لا بد منه للفتوى، نأتي إلى تلخيص حكم ختان الإناث عند علماء الإسلام:

فعند الحنفية: المشهور أنه مكرمة، وهناك أقوال أخرى بأنه سنة.

وعند المالكية قولان: الأول: أنه مكرمة، والثاني: أنه سنة.

وعند الشافعية: أنه واجب؛ قال النووي - رحمه الله -: "وهو المذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي، وقطع به الجمهور"، وهناك وجه في المذهب بأنه سنة، قال النووي بأنه شاذ.

وللحنابلة قولان: الأول: أنه واجب، ولكن ابن قدامة قال: "الختان مكرمة في حق النساء، وليس بواجب عليهن"، ثم قال: "هذا قول كثير من أهل العلم"، وقال ابن القيم - رحمه الله -: "لا خلاف في استحبابه للأنثى، واختُلف في وجوبه".


والذين قالوا بأنه مكرمة في حق النساء لا يخالفون الاستحباب، فإن فعل المكارم من أفضل ما يؤمر به، وإنما العار والذم أن يدعى إلى ترك المكارم، فكلام ابن القيم صحيح لا غبار عليه.

وبعد كل ما تقدم أقول:

إن الختان في حق الذكر والأنثى فطرة وجِبِلَّة، ودين وشعار يميز المسلم عن غيره، فأتباع إبراهيم وذريته هم أهل الختان، والإسلام أقر تلك الفطرة والسنة الحنيفية وأكدها، حتى إن بعض علمائه قالوا بوجوبه في حق الذكر والأنثى، وبعضهم قالوا بوجوبه للذكر واستحبابه للأنثى، والبعض الآخر قالوا بسنيته أو استحبابه على الذكر والأنثى، وأهونهم من قال إنه مكرمة.


فالذين يحاربون اليوم يحاربون أمرًا مجمعًا عليه من علماء الإسلام بالمدح والطلب، لا لشيء جد في المسألة، ولا لسبب اكتشف مطلقًا، وإنما فقط اختلف الحنيفيون عباد الرحمن مع عباد الصليب، وتواجه جمعاهما فكانوا مع جمع عباد الصليب؛ رغبةً أو رهبة، أو تقليدًا مذمومًا وتشبهًا ممقوتًا.


ولو أننا تركنا الأمة على ما درجت عليه عدة قرون، من التزام بعضهم بختان الإناث، وترك بعضهم له دون نكير من أحد الطرفين، لو أنا فعلنا ذلك ما كان هناك ضير، ولكن أن نتبنى محاربته؛ لأن أعداءنا طلبوا منا ذلك، فهذا الذي لا يجوز، هذا لو اقتصرت مطالبهم به فقط، فكيف وهو حلقة من سلسلة طويلة من المطالب التي تَنقُض عرى الإسلام؟! إن رفض مطالبهم تلك جميعها – إلا ما ثبت أنه من صميم الإسلام – هو الواجب على علماء المسلمين ودعاتهم؛ بل على حكام المسلمين وسائر الشرائح المسلمة، والله أعلم.

 

وكتبه أحمد بن حسن المعلم

3/ 5/ 1427هـ - 30/ 5/ 2006م

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم