الخطب والمحاضرات

طريق الفلاح

2012-01-02



طريق الفلاح

مسجد خالد بن الوليد

19\2\1433هـ

13/1/2012م

عباد الله:

العالم كله وبلادنا خاصة تخيم عليها سحب داكنة، ورياح عاصفة، وأمواج عاتية، سلبتها مقومات سعادتها وطيب حياتها وسر قوتها، وانتزعت منها أمنها وأمانها ومجدها وعزتها.

هددتها بالدماء والدمار وألبستها لباس الخوف والجوع، نشرت فيها الفساد بأنواعه المختلفة، وجلبت لها أمراض جسدية ونفسية واجتماعية لماذا كل ذلك؟.

إنه بما كسبت أيدينا كما قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}وقال تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} وقال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}.

إنه الانحراف والإعراض عن منهج الله، واقتحام حدوده وانتهاك حرماته، كل ذلك أوصل الناس إلى ما وصلوا إليه كما تقرره الآيات السالفات.

الناس فسروا ما يجري عليهم تفسيراً مادياً، وغفلوا عن السبب الحقيقي لذلك، ألا وهو حكم رب العالمين وحكمته وإرادته ومشيئته وسننه الماضية في خلقه، إن هذا هو جزاء المخالفين عن هديه المعرضين عن منهاجه:

{ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}.

وبناء على تفسيرهم الخاطئ للمرض ذهبوا يبحثون عن العلاج فاخطئوا في العلاج كما أخطئوا في التشخيص.

ولو أنهم أدركوا سر ما أصابهم وسببه الحقيقي لاهتدوا للعلاج الناجح، وتوصلوا إلى الشفاء التام والعاجل.

ففي ثلاث وعشرين سنة من رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم شفى الله الناس من أمراض أخطر وأشمل وأعمق مما نحن فيه اليوم، إنه الإيمان الذي غرسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفوس هذه الأمة, الإيمان بمفهومه الصحيح: ( تصديق بالجنان ونطق باللسان وعمل بالجوارح والأركان ) الإيمان الذي هو طاقة جبارة من القلب لتحرك جميع أجهزة الجسد، وتنبثق من الفرد لتصنع الأمة بأسرها وتضيء للعالم بأجمعه, إنه طريق الفلاح والخير والسعادة، أحق الناس بسلوكه والوصول من خلاله إلى تلك الغايات العظيمة هو الإيمان قال تعالى: { وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} والحياة الطيبة التي ينشدها كل إنسان، شرطها الأعظم هو الإيمان والعمل الصالح، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ومرض الفقر وظنك المعيشة علاجه الإيمان، قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض { والذل الضارب بأطنابه على ديار المسلمين علاجه والموصل إلى عكسه من العز والمجد والتمكين هو الإيمان قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}. وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}. بل إن الله تعالى هو يتولى الدفاع عنهم فلا يحتاجون إلى مجلس أمن ولا منظمات حقوق إنسان وغير ذالك ممن شرهم أكبر من خيرهم وضررهم أضعاف نفعهم, قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا } بل أيها الإخوة: إن المتأمل في حال الأمة ليدرك أن معظم ما أصابها هو بتسلط أعدائها عليها ورضوخها لهم واستسلامهم لهيمنتهم, والذي يرفع عنهم ذلك هو الإيمان، قال تعالى : {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} هذه دعوة الله سبحانه الذي لا يخلف الميعاد فلماذا لا تتحقق لنا تلك الوعود؟!

الجواب : إن تحقيق تلك الوعود مشروط بشروط، متى حققنا تلك الشروط حقق الله لنا الوعود, إن تلك الوعود صادقة ومحققة قطعاً متى ما تحقق شرطها، إنه الإيمان الحق، الإيمان الذي هو الإسلام في شموله وتوازنه وعمقه وايجابيته, إيمان القرآن والسنة, إيمان الصحابة والتابعين, الذي هو معرفة ونية واعتقاد وعمل، إنه ليس مجرد شعار يرفع أو دعوى تدعى إنه أسلوب حياة متكامل , للفرد وللأمة إنه ضياء ثاقب ينفذ إلى الفكر والعاطفة والإرادة في دنيا الفرد فيجري في كيانه عصارة الحياة، وينشئه من جديد، ويحوله من مخلوق تافه إلى إنسان ذي رسالة وصدق، ومن حيوان أو سبع إلى كائن أقرب للملائكة .

ويمتد إلى المجتمع بأشعته الوهاجة المشرقة، فما زال دم الحياة يتدفق في عروقه والعافية تسري في أوصاله فيشفيه وهو سقيم، بل يحييه وهو رميم .

الإيمان الحق هو الذي يخط آثاره في الحياة كلها، ويصبغها بصبغته الربانية في الأفكار والمفاهيم والعواطف والمشاعر والأخلاق والعادات والقيم والقوانين: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله:

تحدثنا عن الإيمان الذي هو طريق الفلاح، وطريق الخروج من الواقع المر طريق العلاج لجميع الأمراض التي تعاني منها الأمة .

والأمة التي تريد أن تحيى حياة الإيمان لا بد أن ( تكيف ) حياتها ومناهج تفكيرها وسلوكها وفقاً لما يوجبه عليها منطق الإيمان, وأن تحرر وجودها من كل ما يعوق هذا الإيمان، أو يحجب نوره وسناه وإلا كان إيمانها دعوى بلا رهان .

ولابد من أن نتخذ الوسائل الصحيحة لتقوية الإيمان وترسيخه في نفوسنا .

ومن أهم تلك الوسائل :

1- تعلم العلم الشرعي وتعليمه وحضور مجالسة .

2- قراءة القران الكريم وتدبر معانية .

3- الإكثار من ذكر الله .

4- الازدياد من الطاعات .

5- الكف عن الذنوب والمخالفات .

6- التوبة النصوح .

7- رحمة اليتيم - عيادة المريض - زيارة القبور .

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم