الخطب والمحاضرات

حضرموت لا للعنف لا للاستكانة

2010-03-29



بسم الله الرحمن الرحيم

حضرموت

لا للعنف ..لا للاستكانة

لفضيلة الشيخ أحمد بن حسن المعلم

مسجد خالد بن الوليد 18شوال 1432هـ- 16/9/2011م

المقدمة.

أوصيكم ونفسي بتقوى الله فلنتق الله في سائر أمورنا وفي سائر أحوالنا: ( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن).

عباد الله:

يقول رب العالمين سبحانه وتعالى واصفاً حال فتنة من الفتن، وما ترتب عليها من هلاك ودمار وعذاب أليم، وطي صفحة من تاريخ أمة من الأمم، قال تعالى: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا }.

نعم عدة حقائق بل حقائق كثيرة تتضمنها هذه الآيات القصيرة، وذلك ليس بغريب على كتاب الله، ليس بغريب على كلام رب العالمين، فالله عز وجل في بداية هذه الآيات يبين أن التكذيب الذي صار إليه قوم صالح - أمة ثمود - إنما كان عقاباً لهم على طغواهم وكبرياءهم وعنادهم، على معارضتهم لله رب العالمين؛ بسبب ذلك الطغيان والعدوان والأعمال الإجرامية والتوجهات المنحرفة التي عاشوا عليها صرف الله قلوبهم عن التصديق وقبول الحق فكذبوا نبيهم صالحاً.

فعلينا أن نحذر ونحن نعيش هذه الفتن وهذه الظلمات، التي بعضها فوق بعض - ونحتاج فيها إلى البصيرة وإلى أن نهتدي إلى الصراط المستقيم الذي ينجينا الله به من شرور الدنيا والآخرة- علينا أن نحذر من سوء أعمالنا ومعاصينا، فإن المعاصي تميت القلوب.

علينا أن نتوب إلى الله؛ لنطهر قلوبنا من رانها؛ حتى نبصر الحق حقاً فنتبعه، ونبصر الباطل باطلاً فنتجنبه.

ثم إن الله يخبر أن بداية الفتنة ومفتاحها والعامل الأكبر فيها هو جرأة ذلك الشقي، وانبعاثه لمحاربة الله ورسوله،انبعث على الشر والعدوان والاستجابة لهواه والعمل بما تمليه عليه نزواته الشريرة، يريد أن ينتقم من صالح ومن الدين والخير بعقر الناقة، ووجد قوماً لا خير فيهم لم يأخذوا على يده فلم يمنعوه، بل شجعوه ودفعوا به فكانت قاصمة الظهر وبداية النهاية، وكان سبب العذاب والهلاك الذي حاق بثمود، وهكذا في كل الأمم، وهي سنة من سنن الله في كونه وفي عباده: أن الناس إذا شجَّعوا المفسدين ودفعوا بهم، أو على الأقل وقفوا حيالهم المواقف السلبية بترك الأمر بالمعروف والنهي على المنكر والأخذ على يد الظالم وأطره على الحق أطراً؛ استحقوا العقوبة جميعهم؛ فينالهم نصيبهم من العقوبة، ولا ينجي الله إلا الذين ينهون عن السوء من الناس، أما من رضي وتابع أو حتى سكت ولم ينكر فإنه يصيبه ما أصاب المجرمين المعتدين.

وهناك قاعدة أخرى أن على دعاة الشر والفساد والعدوان الذين يسنون السنن السيئة ويدعون إلى الضلالات - أن عليهم أوزارهم وأوزار من تبعهم إلى يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: ( من دَعَا إلى هُدًى كان له من الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ من تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذلك من أُجُورِهِمْ شيئاً، وَمَنْ دَعَا إلى ضَلَالَةٍ كان عليه من الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ من تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذلك من آثَامِهِمْ شيئاً ) ([1]).

وهناك درجات متفاوتة للضلالات، لكن أسوأها الشرك بالله، وبعده أن يكون الإنسان يسن السنن التي تؤدي إلى سفك الدماء وقتل الأبرياء وإزهاق الأرواح وإهلاك الحرث والنسل؛ لذلك عقب الله على قصة قابيل وهابيل فقال تعالى: { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا... } [المائدة : 32] لأن هذا أسوأ شر وجريمة تكون في الأرض بعد الإشراك بالله، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم شدة أوزار هؤلاء المجرمين، وأنهم يتحملون أزوارهم وأوزار كل من سار على هذا الطريق ونَهَجَ هذا المنهج، يقول صلى الله عليه وسلم: (لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إلا كان على بن آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ من دَمِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ من سَنَّ الْقَتْلَ ) متفق عليه([2]).

ابن آدم قابيل الذي لم يدعوا بلسانه وإعلامه وسلطته وأطره الحزبية وأوامره العسكرية، لم يدعوا بشيء من ذلك إلى القتل، وإنما هو نفسه مارس القتل؛ فصار إماماً للقتلة فعليه أوزار كل من سلك هذا الطريق، وكل قطرة دم تراق بغير حق يكون عليه من أوزارها.

فما بالك بالذين يضعون الخطط لقتل الناس؟! ويشجعون على قتل الناس، وأنا لا أقصد طرفاً دون طرف، فكل الأطراف متهمة وملومة، ولم يعد أحد يشك في أن هناك أيدي مختلفة من نواحي كثيرة كلها تدفع إلى الفتنة وتدعوا إلى القتل والقتال والعدوان، فكل هؤلاء أينما كانوا هم أتباع قابيل، وهم ممن يسن سنة القتل والدمار والهلاك، وسيتحملون أوزارها وينالون جزاءها في الدنيا والآخرة.

فهؤلاء الذين يدعون إما بأقلامهم أو إعلامهم أو سلطتهم العسكرية أو المدنية أو بأي وسيلة هؤلاء شر من قابيل؛ولهذا ننظر إلى أهل الورع والتقوى كيف يتخلصون ويبتعدون ويضحون بأنفسهم وملكهم وخلافتهم الراشدة الحقة، التي لم يسعوا إليها بالانتخابات المزورة ولا بالانقلابات العسكرية ولا بالكذب على الناس، فعثمان رضي الله عنه لأنه يخشى أن يقتل بسببه مسلم واحد، أو تراق بسببه قطرة دم مسلم واحد؛ فضحى بالخلافة وبنفسه أيضاً، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: دخلت على عثمان رضي الله عنه يوم الدار، فقلت: جئت لأنصرك وقد طاب الضرب يا أمير المؤمنين- بمعنى حلّ لنا- فقال: يا أبا هريرة أيسرك أن تقتل الناس جميعاً وإياي معهم؟قلت: لا، قال:فانصرف مأذوناً لك مأجوراً غير مأزور،قال:فانصرفتُ ولم أقاتل) ([3]).

وعلى سنة عثمان سار الحسن بن علي رضي الله عنه الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ ابْنِي هذا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بين فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ من الْمُسْلِمِينَ )([4]).

هذا بالنسبة للذين ضحوا بسلطتهم وضحوا بأنفسهم أيضاً من أجل أن لا تراق الدماء بسببهم.

وفي المقابل هناك من رأى الظلم والفساد وأراد أن يزيله وهو صادق لا يريد علواً في الأرض ولا فساداً، ولكنه غار على محارم الله، وأراد أن يزيل الظلم عن كواهل عباد الله فقام محتسباً لذلك، فمحمد بن عبدالله النفس الزكية قام يريد أن يزيل الظلم، ولكن اعترضته سنة كونية أخرى وهي أن الساعين في الملك لابد أن يتجارَوا في الدماء وهو يرفض ذلك ويتورع عنه، حتى قال له أحدهم: ما أعجبك أيها الرجل (أتطلب الملك وتتورع عن الدماء) فرفض هذا الكلام واستمر على منهجه وقُتل رحمه الله ورضي الله عنه قتل ولم يرضى أن يريق الدماء أو يخدع أتباعه أنني أريد أن أصلح

فعلى المتصارعين أن يتقوا الله وأن يدَعوا هذا المنهج منهج قابيل، ويخرجوا الناس من أزمتهم وذلك بسلوك طرق الحلول والصلح والتنازل والتفاهم إلى أن يصلوا إلى بر الأمان ولن يكون ذلك صعباً ولا عسيراً عليهم إذا كانوا صادقين في ذلك.

ثم إن هذه الآيات بينت طرفاً آخر وهو أن هناك من ينصح الأمم ويعمل على الأخذ بأيديهم ولكنهم يكذبونه فيصلون إلى الهلاك : ( فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا ) وقد اتفقتم على أن تكون لها شرب ولكم شرب يوم معلوم فكذبوه وعقروها فكانت النتيجة : (فدمدم عليهم رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ).

 

الخطبة الثانية

المقدمة.

تبين مما مضى حقيقة النفوس البشرية التي لم تتربى على الحق، ولم تُسلِّم للشرع، ولم تسمع لصوت الحق والعدل، بل تبتكر طرق الفساد والإفساد ومحاربة الله ورسله، ودعاة الحق والناصحين للأمم.

وتبينت النتائج الخطيرة المترتبة على ذلك في الحال والمآل في الدنيا والآخرة، وإذا كان على مبتدعي ومخترعي ومؤسسي طرق الضلالة تلك الأوزار؛ فإن لمن أسس سنن الهدى ورسخها وثبتها من المجد والأجر والذكر فضل كبير في الدنيا والآخرة.

وإن من أفضل السنن والهدى وأرشده أن يحافظ الناس على الأمن والاستقرار، وأن يجنبوا البلاد والعباد الفتن، وأن يخرجوا البلاد من حلبة الصراع سليمةً معافاةً لا يمسها سوء، في نفس ولا مال ولا عرض ولا أرض، هذا أمر عظيم وعمل صالح متقبل إن شاء الله إذا صلحت النوايا.

وإن ما تبادر إلى أسماع كثير من الناس من دعوات من خارج هذه المحافظة، تريد أن ينتقل الصراع إلى هذه المحافظة، وأن ينطلق الحسم من هنا من حضرموت، وأن يتحمل أهلها الطيبون المسلمون المصاعب والمتاعب في أمرٍ لا ناقة لهم فيه ولا جمل، فهذا لاشك من الدعوة إلى الضلال والفساد والإفساد، والتغرير بهؤلاء الناس وإدخالهم في الفتنة من حيث لا يشعرون.

وفي المقابل الموقف الذي وقفه أهل حضرموت ممثلين بشخصياتهم الاجتماعية وبقواهم السياسية وبمنظماتهم وعقلاءهم من رفض هذه الدعوة الرفض القاطع، والإصرار على أن يجنبوا هذه البلاد ويلات الحروب والصراع والقتال، فهذا إذا صلحت النوايا وأريد به وجه الله يعد من الدعوة إلى الهدى ومن السنن الحسنة وسيكون لهم مجداً ورفعة في الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى.

هذا منجز عظيم يجب أن يثبت ويرسخ ونتحمل مسئوليتنا جميعا لإنجاحه وإنجازه، والمطلوب:

أن يثبت الجميع على ما اتفقوا عليه، مهما كانت الدواعي والمسوِّغات والضغوط من أي طرف أو أي جهة، علينا أن نعلم أن هذا حق وأن نثبت عليه.

أن يوجِد – هؤلاء المتفقون -الوسائل والآليات التي تعينهم، وتعين من ورائهم من أبناء هذه المحافظة والساكنين فيها على الصمود على هذا الاتفاق وعدم هدمه، فعلينا أن نبحث عن الأسباب التي تعين على نجاح هذا المبدأ وترسيخه، وإخراج البلاد من حلبة الصراع المذموم، وأن نلتف حول هذا المبدأ وحول من قام به؛ وذلك من التعاون على البر والتقوى قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة : 2]، على هذه الجهات أن تعلم أن هناك شياطين ودعاة إفساد وإفساد في كل مكان، وإذا تُرك لهم الأمر فسوف يخرجوننا عما اتفقنا عليه، ويزرعون بيننا بذور الفتنة، ويفرقوننا عن هذا المبدأ ثم تكون الطامة والخسران المبين.

يجب علينا أن لا نفهم أن هذا التوجه وهو إخراج البلاد والعباد من الصراعات وتجنيبها للفتن والدمار - أن لا يفهم أننا لا زلنا على القاعدة التي تنسب إلينا " أن من أخذ أمَّنا فهو عمنا" هذا كلام مرفوض، لسنا مع كل من أخذ الأم، فهناك يهود ونصارى وملحدون ومنافقون الكل يتسابق لأخذ أمنا والزواج بها وأن يكسب من ورائها ما تملك ويتمتع بها، فإذا سلمنا لهؤلاء فقد سلمنا أنفسنا للشر والهوان والذل، فلا يُفهم أن دعوتنا لتجنيب البلاد للصراع هو ترسيخ هذا المبدأ، فهذا مبدأ مرفوض لا يجوز أبداً أن نجدده أو نرضى به، وهذا ما يدور في أوساط كل الساعين أنّ لنا كلمتنا ولنا قرارنا ونحن نختار كيف يكون مصيرنا وقرار بلادنا، فلا يُملى علينا ولا يفرض علينا من أحد.

نسأل الله أن يصلح عملنا ويرزقنا النوايا الصالحة ويخرجنا من دائرة الفتنة والمحنة.

 

 

 

[1] رواه مسلم ( 4/2060) رقم 2674.

[2] متفق عليه، رواه البخاري( 1/431) رقم 32، ومسلم (3/ 1303) رقم ( 1677) من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.

[3] رواه ابن سعد وقال أحمد شاكر بسند صحيح جداً.

[4] رواه البخاري (2/962) رقم 2557عن أبي هريرة رضي الله عنه.

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم