الحمد لله الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، لا يحصي خزائن ملكه إلا هو، ولا يعلم جنوده أحد سواه، بيده القسط يخفض ويرفع وكل شيء عنده بمقدار، يعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الملك وهو على كل شي قدير .
والصلاة والسلام على من لم يعرف اليأس إلى قلبه سبيلاً، ولم يبتعد الأمل عن نفسه كثيراً ولا قليلاً، يعد بالفتوحات في أحلك الظروف والساعات، ويبشر بالفرح والنصر عند أشد الأزمات، وفي غياهب الفتن المدلهمات، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
أمتنا العزيزة بصغارها وكبارها بقادتها وشعوبها بعلمائها ومفكريها وسائر طبقاتها:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعام جديد يبزغ فجره علينا جميعاً بالفتح والعز والتمكين، ورسوخ الإيمان وشمول الأمن والأمان، واكتمال السعادة العامة والخاصة.
عام جديد وما أظن عاقلاً من أمة محمد لا يريده عام تغيير، وعام تجديد، وعام انقلاب شامل على كل مظاهر السوء التي تعيشها الأمة.
انقلاب، نعم: لكنه انقلاب أبيض فعلاً، لا أحمر قانياً ولا أسود داكناً، بل ولا رمادياً باهتاً، إنه انقلاب من الإعراض عن الله تعالى إلى الإقبال عليه والفرار إليه، { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } (50) سورة الذاريات
انقلاب من موالاة أعدائه إلى موالاته وموالاة من تجب موالاته: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (55) سورة المائدة.
انقلاب من خشية أعدائه إلى خشيته: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (175) سورة آل عمران .
انقلاب من الشك في وعده والتكذيب بخبره إلى التصديق الكامل والتسليم الشامل له: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (22) سورة الأحزاب، وندع شعار المنافقين: { مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} (12) سورة الأحزاب وشعار اليهود: {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (24) سورة المائدة .
انقلاب من استشعار العجز والركون إلى الإحباط واستصغار أنفسنا وقدراتنا، إلى الوثوق بأنفسنا وبقدراتنا وإمكانياتنا، وأن الطريق أمامنا مفتوح، فقط يريد عزيمة تدفعنا إلى سلوكه، كما قال الله تعالى حاكياً عن موسى وقومه: {قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (129) سورة الأعراف.
ولا بأس أن نستشهد بقول المتنبي:
إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم
وقول الآخر :
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى فما انقادت الآمال إلا لصابر
ونتذكر أنه:
من يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
ويجب أن نعلم أنه ليس هذه المرة هي الأولى التي تصاب فيها الأمة بالضعف وتحاط بالفتن وينزل بها ما تنوء بحمله، فقد أصاب الأمة ما أصابها يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تلبث أن نهضت ، وأصابها ما أصابها في أحداث وأزمان كثيرة فصممت على النهوض فنهضت، ومن أبرز ذلك سقوط بغداد على يد التتار، وسقوط الأندلس، وغيرها من الفترات الحالكة، ووعود سيادة الأمة كثيرة وصحيحة ولكنها تريد من يعمل لتحقيقها، فهل سيكون هذا العام عام البدء في تحقيق ذلك؟ يجب أن نعمل على ذلك قال تعالى: {سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ + لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} (10 -11 ) سورة الرعد. <
جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم