الحمد لله رب العالمين الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة فقالسبحانه : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة آية(3 )، وقال تعالى : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًالِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)النحل آية(89 )، وكلف رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ببيان ما جاء في الكتابفقال سبحانه : (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِمَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل آية (44 )،فتركنا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بعد تبليغ الكتاب وبيان السنة لهعلى الصراط المستقيم والدين القويم والشريعة الغراء فقال صلى الله عليهوآله وصحبه وسلم : (قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَاكَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ... ) رواه أحمدوابن ماجه و صححه الألباني . أما بعد :
فقد مرت اليمن بمرحلة خطيرة وعصيبة كادت أن تهلك الحرث والنسل ، وتهددوحدة البلاد وأمنها واستقرارها ، وتقطع أوصال الأخوة فيما بين أبنائها،حاول علماء اليمن ومعهم مشايخ القبائل اليمنية وبعض القوى الفاعلةاستدراك الأوضاع وتلافي الأحداث في وقت مبكر قبل استفحالها وحدوث القتلوسفك الدماء ، فتقدموا بمبادرة محلية تضمن انتقالا سلميا وسلسا للسلطةبإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في نهاية عام 2011هـ ، كما اقترح العلماءفي بيانات لهم سابقة إقامة حكومة وحدة وطنية مؤقتة بالتوافق ، تتوزع فيهاالحقائب الوزارية السيادية بين الحزب الحاكم والمعارضة وتعمل هذه الحكومةعلى التهيئة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وآمنة يعود فيها الحق إلى الشعبفي اختيار حكامه ونوابه ، ولكن تلك المبادرة والاقتراحات لم يكتب لهاالنجاح بعد جهد وحركة دائبة بين الأطراف السياسية .
واليوم ونحن على أعتاب مرحلة وحقبة جديدة وفق الله فيها أهل اليمن للوصولإلى حل يضمن انتقالا للسلطة مع المحافظة على وحدة اليمن وأمنه واستقرارهفإن علماء اليمن يؤكدون على الآتي :
أولا : الحكم لله وشرعه فوق كل شيء :
لقد أثيرت في خلال هذه الأحداث بعض القضايا حول الشرعية في مجتمعناالمسلم ولمن تكون ، فهناك من يقول بأنها حق للثائرين، وآخر يقول بأنها حقللمؤسسات الرسمية، وثالث يقول بأنها حق لفئة من الناس دون غيرهم، وهناكمن يخلط بين شرعية التشريع تحليلا وتحريما التي لا تكون إلا لله، وبينشرعية اختيار الحاكم ومحاسبته والتي هي حق للشعب كلفه الله بها والمذكورةبعد هذا .
فالتشريع تحليلا وتحريما حق لله وحده، وهو عبادة من العبادات لا تجوزلغيره، قال تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا
تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّأَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) يوسف آية (40)، وذم الذينيُشَرِّعون أحكاماً لا تستند إلى شرع الله وجعلوا من أنفسهم أندادا لله،فقال سبحانه: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَالَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَبَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الشورى آية(21)، وبيَّن المولى سبب تفرده بالحكم والتشريع وحده بأنه الذي خلق الخلقمن العدم، فهو الملك صاحب الحق في أن يحكم في ملكه بما يشاء، قال تعالى:( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّالْعَالَمِينَ ) الأعراف آية (54)، وبين الله جل وعلا أنه الأعلم بأسرارخلقه والأعلم بما يصلحهم وما يضرهم وما ينفعهم وأنه لا يوجد أحد يعلم عنمخلوقاته كما يعلم هو عنهم سبحانه، قال تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْخَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك آية (14) ، وقال : (قُلْأَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) البقرة آية (140) ، وقال تعالى :(قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِيالسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)الحجرات آية (16) ، وهو الحكيم سبحانه فكل أفعاله وأحكامه تقوم علىالحكمة البالغة وتحقيق مصالح العباد ،( وشريعته سبحانه مبناها وأساسهاعلى الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلهاومصالح كلها وحكمة كلها ، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمةإلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعةوإن أدخلت فيها بالتأويل) إعلام الموقعين لابن القيم(2/305) ، ولذا قالتعالى : (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ أَلَيْسَ اللَّهُبِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) التين آية (7،8) ، فلا شرع فوق شرع الله ، ولادين صحيح غير دين الإسلام قال تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِالْإِسْلَامُ) آل عمران آية (19)، وقال تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَالْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَالْخَاسِرِينَ ) آل عمران آية (85)، وكل مسلم يعرف هذا وكلنا مسلمون ،وقد أقسم الله تعالى على نفي الإيمان عمن لم يُسلّم بهذه المحكماتالشرعية، فقال تعالى : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىيُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِيأَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساءآية (65).
وبناء على هذا فإن علماء اليمن يدعون كل من يتولى أمر اليمن من الرؤساءوالحكومات والمجالس النيابية أن يجعل شرع الله فوق كل شيء ، ففيه الحقكله الذي يضمن للإنسان حقوقه وحريته وكرامته وسعادته في الدنيا والآخرة ،وأنه لا يجوز وضع أي دستور و سن قانون أو عقد أي اتفاقيةٍ تعارض شرع اللهأو تنتقص منه .
ثانيا : الشعب صاحب الحق في اختيار حكامه ومحاسبتهم بموجب الشريعة الإسلامية :
لقد كلف الله سبحانه وتعالى الأمة وجعل لها السلطة والحق في اختيارحكامها كما في نظام البيعة وجعل لها حق مراقبة الحكام قياما بفريضة الأمربالمعروف والنهي عن المنكر قال عثمان ـ رضي الله عنه ـ مؤكدا لهذاالمبدأ: (إذا وجدتم في كتاب الله أن تضعوا رجلي في القيد فضعوا رجلي فيالقيد )رواه أحمد وصححه الأرناءوط في المسند، وبنحو هذا قال الخلفاءالراشدون، وضمن الله تعالى حق الشعب في مقاضاة حكامه إذا ظلموا أوانحرفوا أو وقع النزاع بينهم وبين الشعب كما قال تعالى : (يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِيالْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَىاللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِالْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا )النساء آية (59) ، كماأوجب على الأمة عزل حكامها إذا أظهروا كفراً بواحاً أو خانوا الأمانةالموكلة إليهم من حراسة الدين وسياسة الدنيا به أو ارتكبوا خيانة عظمىنصت عليها دساتيرهم الإسلامية ؛ لأن الحاكم وولي الأمر في الإسلام مقيدةسياساته وممارساته بما لا يعارض الشريعة قال تعالى : (ثُمَّ جَعَلْنَاكَعَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَاللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍوَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ * هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًىوَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) الجاثية الآيات (18-20)، وأوجب اللهتعالى على الحكام مشاورة الأمة وأهل الحل والعقد فيها قال تعالى :(وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) آل عمران آية (159)؛ لأن الشورى أفضلالطرق لسداد الرأي في تقرير قضايا الأمة حاضراً ومستقبلاً ، وأحسنالوسائل للتعبير عن إرادتها وحريتها المشروعة ، ومن لا يشاور شعبه وأهلالحل والعقد فيه يجب عزله قال ابن عطية : "والشورى من قواعد الشريعةوعزائم الأحكام ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب هذا ما لاخلاف فيه" المحرر الوجيز(1/565) .
ومما سبق يتبين أن السلطة للشعب فهو صاحب الحق في اختيار حكامه ونوابهولا يحق لأي طائفة أو جماعة أو حزب أو فئة أن يسلب الشعب هذا الحق أو أنيصادره عليهم تحت أي اسم أو ذريعة .
ثالثا : تحقيق استقلال القضاء:
يدعو العلماء إلى وجوب قيام المسئولين في الدولة، بدعم القضاء للقيامبمسئولياته الكبرى في إقامة العدل ورفع الخصومات وإيصال الحقوق إلىأهلها، ولا يتم ذلك إلا بقضاء شرعي تتوفر فيه عدد من الشروط المعتبرة،منها :
1ـ تحقيق استقلال القضاء ماليا وإداريا وقضائيا بحيث لا يكون لأحد سلطانعلى القضاء إلا للشريعة كما هو مقرر شرعا وأكد على ذلك دستور بلادنا .
2ـ وجوب أن يكون القاضي مسلما عدلا عالما بأحكام الشريعة فلا يجوز أنيكون القاضي كافرا ولا مسلما فاقدا للعدالة .
3ـ وجوب أن يكون التحاكم إلى الشريعة الإسلامية لا إلى غيرها، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا
أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْيَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِوَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا* وَإِذَاقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِرَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) النساء الآيتان(60 -61) ، وأقسم الله على نفي الإيمان عمن لا يخضع ولا يستسلم لحكمهبقوله سبحانه: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَفِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًامِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء آية (65)، وقال سبحانهفي وصف المؤمنين: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُواإِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُواسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْيُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَهُمُ الْفَائِزُونَ (52) النور الآيتان(51، 52) ، وبناء عليه فيتم تقديمالجناة والمعتدين إلى القضاء الشرعي اليمني، ولا يجوز التحاكم إلى أي جهةأو محكمة تفتقد أي شرط من هذه الشروط سواء كانت محلية أو إقليمية أودولية .
رابعا: رفع المظالم ورد الحقوق المشروعة إلى أهلها من أبناء المحافظاتالجنوبية وغيرها :
يدعو علماء اليمن إلى سرعة تشكيل لجنة قضائية لمعالجة القضايا الحقوقيةورفع المظالم في حق أبناء المحافظات الجنوبية خاصة وأبناء اليمن عامة ،ويذكرون إخوانهم وأبناءهم في جميع المحافظات شمالا وجنوبا بتعظيم حقوقالمسلمين وحرمة استباحة الدماء والأعراض والأموال قال صلى الله عليه وآلهوصحبه وسلم : (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُوَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)رواه مسلم . وقال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم :
(لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ) ، فلا يجوز هدرواستباحة دماء المسلمين المعصومة إلا بحكم صادر من القضاء الشرعي .
خامسا:توحيد الصف وجمع الكلمة والحفاظ على وحدة اليمن :يدعو العلماء جميع أبناء الشعب اليمني حكومة وشعبا للوقوف صفا واحدا فيوجه من يثير الفتن أو يحاول إقصاء الشريعة، والتصدي لكل دعوات التمزيقوالتفتيت المناطقية والطائفية للبلاد وكذلك جميع النعرات الجاهلية بكلصورها وأشكالها التي تعرض وحدة اليمن وسيادته للخطر وإزالة الأسباب التيأدت إلى ذلك، فنحن شعب واحد ديننا واحد ونبينا واحد وكتابنا واحد وقبلتناواحدة ، قال تعالى : إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَارَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِالأنبياء: (92) .
سادسا: ترشيد الخطاب الإعلامي وتحسينه :
يدعو العلماء حكومة الوفاق ووزارة الإعلام خاصة إلى إلزام كل وسائلالإعلام الرسمية والأهلية بحسن الخطاب ولين القول، عملا بقول الله تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَيَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّامُبِينًاالإسراء: 53) والدعوة إلى جمع الكلمة ورأب الصدع والابتعاد عنالتجريح والتهييج وإشعال نار الفتن والكف عن التراشقات الإعلامية التيتفرق الصف وتزرع الأحقاد والضغائن والابتعاد عن كل ما يخالف الآدابوالضوابط الشرعية ويتنافى مع أعرافنا وتقاليدنا الحميدة .
سابعا : اعتماد مبدأ الكفاءة والأمانة:
يدعو علماء اليمن كل وزير ومسئول في حكومة الوفاق الوطني إلى اعتمادالكفاءة والأمانة والنزاهة والالتزام بالشعائر الإسلامية التي أكد عليهاالدستور في تولية الوظيفة العامة، قال تعالى على لسان ابنة الرجل الصالح: قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِاسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ القصص: 26 ، بعيدا عن الو لاءاتالضيقة والعصبيات الحزبية و المناطقية والعرقية ، وعدم إقصاء الآخر لذلك .
ثامنا : الحفاظ على ثروات البلاد والتزام الشفافية فيها :
يدعو علماء اليمن الحكومة إلى الحفاظ على ثروات البلاد والتزام مبدأالشفافية وإطلاع الشعب اليمني على ثرواته وموارده ، وحسن استغلال المواردوتوجيهها في مصلحة البلاد والعباد مع مراعاة الأولويات في المصارف فلايجوز الصرف على التحسينيات والترفيهيات قبل إشباع الضروريات والحاجيات،قال عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه ـ :( لئن أُطعم بطون الجوعى خير ليمن كساء الكعبة)،ويجب اختيار الأمناء والأكفاء على رعاية هذه الثرواتوالموارد
تاسعا : الالتزام بحقوق الإنسان بنسختها الإسلامية : يدعو علماء اليمنإلى الالتزام بحقوق الإنسان التي أقرتها الشريعة الإسلامية وبيَّنهاالإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان الذي ناقشته وأقرته منظمة المؤتمر(التعاون) الإسلامي في عشرة مؤتمرات لها على مستوى وزراء الخارجيةبالإضافة إلى ثلاثة مؤتمرات للقمة ، وأشرف على إعدادها عدد من كبارالخبراء والمختصين ، ففي ذلك مراعاة لهويتنا وخصوصيتنا العقائديةوالفكرية الإسلامية التي نتميز بها عن غيرنا من أصحاب الدياناتوالمعتقدات الأخرى، ويؤكد العلماء على ضرورة جعل هذا الإعلان مرجعا لكلدعاة حقوق الإنسان؛ إذ لا يخفى أن حقوق الإنسان المسلم مقيدة بدينهوالحقوق التي وضعها غير المسلمين لا يقيدها دين .
عاشرا :منع الاعتداء الآثم ورفع الحصار الظالم :
يؤكد العلماء على الآتي :
1ـ دعوة الجهات المعنية في الدولة للقيام بمسؤولياتها في العمل علىاستتباب الأمن والحفاظ على السكينة العامة ووجوب إيقاف الاعتداءات الآثمةمن بعض الوحدات العسكرية على تعز وأرحب والحيمتين ونهم وبقية المناطقالمعتدى عليها ، ووجوب إيقاف نزيف الدم في محافظة أبين وغيرها وتعظيمحرمات المسلمين في دمائهم وأموالهم وأعراضهم ومساكنهم .
2ـ يستنكر العلماء ما يجري من حصار ظالم واعتداء آثم من قِبَل الحوثيينسُفكت فيه دماء الأبرياء من طلاب العلم وسكان منطقة دمَّاج من النساءوالأطفال والشيوخ والشباب،كما تناقلت ذلك وسائل الإعلام وأكدته المنظماتالحقوقية التي زارت المنطقة ، كما يستنكر العلماء تقاعس أجهزة الدولةالمعنية عن القيام بواجبها في صيانة الدماء وحماية الأعراض والممتلكاتوردع المعتدي وفك الحصار وتقديم الإغاثة، ويحذر العلماء من تصاعد هذهالاعتداءات المعتَمِدة على النَّعَرات الطائفية والعصبيات الجاهلية ،والتي من شأنها تأجيج العداوة والبغضاء وزرع بذور الفرقة والفتن بينأبناء الشعب اليمني، فنحن جميعا شعب واحد تجمعنا أخوة الإسلام، كما قالتعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَأَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَالحجرات: آية(10) .
أحد عشر: تعظيم حرمة الدماء والأموال والأعراض والمساكن :يذكر علماء اليمن أبناء الشعب اليمني جميعا بكل فئاته وشرائحه وقواهبعظيم حرمة الاعتداء على الدماء والأعراض والأموال والممتلكات العامةوالخاصة ، ووجوب صيانتها والمحافظة عليها لقوله صلى الله عليه وسلم :(كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُوَعِرْضُهُ)رواه مسلم .
اثنا عشر : توثيق روابط الأخوة وإشاعة روح الصفح والتسامح :يدعو علماء اليمن أبناء الشعب اليمني إلى توثيق روابط المحبة والإخاءوالتعاون على البر والتقوى ، وكل ما من شأنه صلاح أحوال البلاد والعبادفي الحال والمآل ، وتصفية النفوس مما حل بها من الأحقاد والضغائن ،والعمل على إشاعة روح الصفح والتسامح ، ليحيا الجميع في ظل أخوة إسلاميةصادقة حرة وكريمة استجابة لقول الله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَإِخْوَةٌ) الحجرات آية(10 ) ، ولقوله تعالى : (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَفَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) الشورى آية(40) ، وقال عليه الصلاة والسلام:(لا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم ... إن الله عفو يحب العفو قالتعالى : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَاللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور آية( 22) .
ثلاثة عشر: للضرورات أحكامها وللمصالح ضوابطها :إن المصلحة العامة للبلاد والعباد في الشريعة الإسلامية تقتضي في أي تصرفأو ترخص أو تغيير يقدم عليه أي مسلم أن يكون مؤديا إلى تحقيق المصالحالشرعية وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها، وترجيح خير الخيرين وتحصيل أعظمالمصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما، وأعلىهذه المصالح الحفاظ على الدين وصيانة النفوس وحقن الدماء وحماية الأعراضوالعقول والأموال ، وإذا كان الحفاظ على هذه الضروريات وما تستلزمه مناستتباب الأمن وسير الناس في معايشهم مطمئنين واستقرار حياتهم لا يتم إلابشيء من الأخذ ببعض الرخص، فإن الشريعة الإسلامية تجيز للمسلم عندالضرورة ما لا تجيز له في الأحوال الاعتيادية، قال تعالى : (وَقَدْفَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْإِلَيْهِ) الأنعام آية (119) ، وذلك بشروط :
1ـ تحقق وجود الضرورة يقينا أو بغلبة الظن .
2ـ أن يكون المرجع في تقدير الضرورة هم علماء الشريعة المجتهدون معاستشارة أهل الخبرة والاختصاص في بيان الحالة والواقع .
3ـ ألا يتجاوز القدر المحتاج إليه لرفع الضرورة عملاً بالقاعدة الشرعيةأن ما أبيح لضرورة فيقدر بقدرها ؛ لأن ما زاد عن حد الضرورة يبقى على أصلالتحريم .
4ـ ألا يؤدي الأخذ بالضرورة إلى منكر مساوٍ أو إلى ما هو أعظم منه ، فلايجوز التفريط بالدين من أجل الحفاظ على المال أو الأرض .
كما يؤكد العلماء على وجوب ألا يتضمن أي صلح ما يحل حراما أو يحرم حلالا،كما قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : ( الصلح جائز بين المسلمين إلاصلحا حرم حلالا أو أحل حراما والمسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أوأحل حراما ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
أربعة عشر : واجبات ومسؤوليات كبرى أمام نائب الرئيس وحكومة الوفاق الوطني :يدعو علماء اليمن كبار المسئولين في الدولة وفي مقدمتهم نائب الرئيسوحكومة الوفاق الوطني لتحمل مسئولياتهم في العمل على ما يأتي :
1ـ اتخاذ التدابير اللازمة لرفع الضرر والمعاناة والمشقة عن كاهل الشعباليمني بإعادة دعم السلع الضرورية والمشتقات النفطية من البترول والديزلوتخفيض أسعارها وإصلاح التيار الكهربائي وسائر الخدمات الأساسية .
2ـ تخفيف معاناة الفقراء بإنشاء ديوان خاص بالزكاة يشرف عليه مجلس أعلىمستقل مكون من العلماء والتجار وممثلي الجهات المعنية في الدولة وعدد منخبراء المحاسبة والاقتصاد يحوزون على ثقة مجلسي النواب والشورى ؛ لجمعالزكاة وحفظها وإيصالها إلى مستحقيها من الفقراء والمساكين وغيرهم منأصحاب مصارف الزكاة الثمانية كما قال تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْصَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) التوبة آية (103) .
3ـ وجوب رعاية الدولة لأسر الذين قدَّموا أرواحهم لرفع الظلم والاستبدادوإصلاح أوضاع البلاد ، وكذلك المعاقين الذين أصيبوا في هذه الأحداث وذلكبتخفيف معاناتهم مما حل بهم ، وتعويضهم تعويضا مناسبا من تأمين لسكن دائمواعتماد راتب شهري يكفي لحاجاتهم ودفع تعويضات مجزية .
4ـ تَكَفُّل الدولة بعلاج الجرحى في الداخل أو الخارج حتى يتم شفاؤهممهما كلَّف ذلك .
5ـ تعويض من تضررت منازلهم أو محلاتهم وممتلكاتهم تعويضا عادلا .
6ـ تصحيح وإصلاح أوضاع من قُطِعت رواتبهم أو سُرِّحوا من وظائفهم بغير حقسواء في هذه الثورة أو ما سبقها من أحداث .
7ـ إطلاق سراح المسجونين والمختطفين ظلما وعدوانا والبحث عن المفقودينوإعادتهم إلى أهلهم .
8ـ قيام الحكومة الجديدة بوضع برامج إيمانية وتوعوية لربط الناس عموماوموظفي الدولة خصوصا بمراقبة الله تعالى فهو أدعى لتحسين الأداء والقيامبالأمانة على وجهها .
خمسة عشر : كي لا تعود البلاد إلى الأخطار والمصائب والدمار :يدعو علماء اليمن جميع أبناء الشعب اليمني حكاما ومحكومين إلى إصلاح ذاتبينهم وتعميق روابط الأخوة وإصلاح وتلافي ما سببته المرحلة السابقة ،وعدم السماح لأي جهة كانت بالعودة بالبلاد إلى حالتها السابقة منالانقسام وفساد ذات البين والاحتراب الداخلي ومخالفة أحكام الشريعةوتجاوز حدودها ، وإنهاك البنية الاقتصادية والعسكرية ، ونهب إمكانياتالشعب وتدمير مقدراته ، وتعريض وحدة البلاد واستقلالها وسيادتها للخطر ،وتشجيع مروجي الفساد ودعاة الانحلال الأخلاقي ، ولذا يجب على الدولةالعمل على سد كل باب يؤدي إلى ما سبق من المنكرات ومنع أي تسلط أواستبداد يجعل الشعب كالمتاع الذي يتوارثه الأبناء عن الآباء .
ستة عشر : حرمة أموال المسلمين وجريمة التخوض فيها :يؤكد العلماء على حرمة المال العام والخاص ووجوب تبرئة الذمة من أي مالأخذ بغير حق منهما ، وإعادته إلى خزينة الدولة أو إلى صاحبه ، فمن نجا فيالدنيا من الحساب أمام القضاء فلن ينجو من ذلك يوم القيامة، قالالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وصحبه وَسَلَّمَ : ( إِنَّرِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمْالنَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه البخاري قال ابن حجر في فتح الباري: ومعنى (يَتَخَوَّضُونَ ) أَيْ يَتَصَرَّفُونَ فِي مَالِ الْمُسْلِمِينَبِالْبَاطِلِ .وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم « مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُمِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَغُلُولاً يَأْتِى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». رواه مسلم .
سبعة عشر: وجوب إيقاف المجازر البشعة في سوريا :يستنكر علماء اليمن ويدينون ما يجري اليوم من إزهاق للأرواح المعصومةوسفك للدماء ومجازر بشعة يقوم بها النظام السوري ضد شعبه، ويدعون النظامالسوري لوقف هذه المجازر والاعتداءات واحترام آدمية الإنسان وكرامته ،كما يدعو علماء اليمن منظمة التعاون الإسلامي ورابطة العالم الإسلاميوالجامعة العربية واتحاد علماء المسلمين ورابطة علماء المسلمين لبذلالوسع واتخاذ سائر الإجراءات المشروعة لوقف نزيف دم إخواننا في سوريا .
ثمانية عشر: دعوة لإخواننا في مصر وليبيا وتونس :يدعو علماء اليمن القيادات والشعوب في مصر وليبيا وتونس ببذل غاية الجهدلأن تكون الشريعة الإسلامية أولى أولويات مرحلة ما بعد تحقق أهداف الثورةففي ذلك صلاح أمر الدنيا والآخرة، ووجوب المحافظة على الأخوة العامةواحترام إرادة الشعوب .
تسعة عشر: شكر وثناء :يتوجه علماء اليمن بالشكر لله وحده الذي لطف باليمن واليمنيين ثملإخوانهم وأبنائهم المعتصمين في الساحات والميادين والذين شاركوا فيإصلاح أوضاع البلاد والقيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكروكانوا سببا في التعجيل بحل مشكلة اليمن و كما يتوجهون بالشكر لكل من قامبواجبه المُشرّف في الوقوف معهم والدفاع عنهم ومنع الاعتداء عليهم ، ويتوجهون بالشكر لكل من ساهم وبذل جهده من الداخل أو الخارج لإصلاح ذاتالبين وحقن دماء أبناء اليمن والحفاظ على وحدة البلاد وأمنها واستقرارها.
عشرون : دعوة للتضرع واللجوء إلى الله تعالى :يدعو علماء اليمن جميع أبناء الشعب اليمني في مثل هذه الظروف العصيبةالتي تمر بها بلادنا وتتقلب فيها أحوالنا بتقوية الصلة بالله والتضرعواللجوء إليه والتوبة من الذنوب صغيرها وكبيرها ، قال تعالى : (فَلَوْلَاإِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ) [الأنعام/43] ، فمن استقام علىدين الله واتبع رضاه أصلح الله دنياه وآخرته قال تعالى: (مَنْ عَمِلَصَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُحَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَاكَانُوا يَعْمَلُونَ )(النحل آية( 97) ، وقال تعالى : (فَمَنِ اتَّبَعَهُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ) طه آية(123) ومن تنكب عن شرع اللهوصد عنه أشقاه الله في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ( وَمَنْ أَعْرَضَعَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَالْقِيَامَةِ أَعْمَى ) طه آية (124) .
نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه وأن يؤلف بين قلوبالمسلمين أجمعين وأن يجمع كلمتهم على الحق والدين ، كما نسأله سبحانه أنيحفظ لنا ديننا وبلادنا ووحدتنا وأمننا واستقرارنا .والحمد لله رب العالمينوصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين صادر عن علماء اليمن ـ صنعاء.