رحلة ومصير
يا من يتابع سيد الثقلان** كن للمهيمن صادق الإيمان
واعلم بأن الله خالقك الذي** سوَّاك لم يحتج إلى إنسان
خلق البرية كلها من أجل أن ** تدعوه بالإخلاص والإذعان
قد أرسل الآيات منه مخوِّفاً** لعباده كي يُخلص الثقلان
وأبان للإنسان كل طريقةٍ ** كي لا يكون له اعتذار ثان
ثم اقتضى أمراً و نهياً علَّها** تتميز التقوى عن العصيان
ووُلدت مفطوراً بفطرتك التي** ليست سوى التصديق والإيمانِ
وبُليت بالتكليف أنت مخير ** وأمامك النجدان مفتتحانِ
فعملت ما تهوى وأنت مراقب** ما كنت محجوبا عن الديانِ
ثم انقضى العمر الذي تهنا به ** وبدأت في ضعف وفي نقصان
ودنى الفراق ولات حين تهرُّب** أين المفر من القضاء الداني؟
والتف صحبك يرقبون بحسرة ** ماذا تكون عواقب الحدثان؟
واستل روحك والقلوب تقطعت ** حزنا وألقت دمعها العينانِ
فاجتاح أهل الدار حزن بالغ ** واجتاح من حضروا من الجيرانِ
فالبنت عبرى للفراق كئيبةً ً ** والدمعُ يملأ ساحة الأجفانِ
والزوج ثكلى والصغار تجمعوا ** يتطلعون تطلع الحيرانِ
والابن يدأب في جهازك كاتماً** شيئاً من الأحزان والأشجان
وسرى الحديث وقد تساءل بعضهم** أو ما سمعتم عن وفاة فلانِ
قالوا سمعنا والوفاة سبيلنا ** غيرُ المهيمن كل شيء فان
وأتى الحديث لوارثيك فأسرعوا** من كل صوب للحطام الفاني
وأتى المغسل والمكفن قد أتى** ليجللوك بحلة الأكفانِ
ويجردوك من الثياب وينزعوا** عنك الحرير وحُلة الكتان
وتعود فرداً لست حامل حاجة ** من هذه الدنيا سوى الأكفان
وأتى الحديث لوارثيك فأسرعوا ** فأتوا بنعش واهنَ العيدان
صلوا عليك وأركبوك بمركب** فوق الظهور يُحَفُ بالأحزانِ
حتى إلى القبر الذي قد جهزوا ** وضعوك عند شفيره بحنانِ
ودنا الأقارب يرفعونك بينهم** للَّحد كي تُمسي مع الديدانِ
وسكنت لحداً قد يضيق لضيقه ** صدر الحليم و صابر الحيوانِ
وسمعت قرع نعالهم من بعدما** وضعوك في البيت الصغير الثاني
فيه الظلام كذا السكون مخيم** والروح رد وجاءك الملكانِ
وهنا الحقيقة والمحقق قد أتى** هذا مقام النصر والخذلانِ
إن كنت في الدنيا لربك مخلصاً** تدعوه بالتوحيد والإيمانِ
فتظل ترفل في النعيم مرفهاً** بفسيح قبر طاهر الأركانِ
ولك الرفيق عن الفراق مسلياً** يغني عن الأحباب والأخدانِ
فتحت عليك من الجنان نوافذ ** تأتيك بالأنوار والرَّيحان
وتظل منشرح الفؤاد منعماً ** حتى يقوم إلى القضا الثقلان
تأتي الحساب وقد فتحت صحيفة ** بالنور قد كتبت وبالرضوان
وترى الخلائق خائفين لذنبهم ** وتسير أنت بعزة وأمان
ويظلك الله الكريم بظله ** والناس في عرق إلى الآذان
وترى الصراط وليس فيه صعوبة ** كالبرق تعبر فيه نحو جِنان
فترى الجِنان بحسنها وجمالها ** وترى القصور رفيعة البنيان
طب في رغيد العيش دون مشقة ** تكفي مشقة سالفِ الأزمان
والبس ثياب الخلد واشرب واغتسل ** وابعد عن الأكدار والأحزان
سر وانظر الأنهار واشرب مائها ** من فوقها الأثمار في الأفنان
والشَّهد جار في العيون مطهر ** مع خمرة الفردوس والألبان
والزوج حور في البيوت كواعب ** بيض الوجوه خوامص الأبدان
أبكار شبه الدر في أصدافه ** واللؤلؤ المكنون والمرجان
وهنا مقر لا تَحوُّلَ بعده ** فيه السرور برؤية الرحمن
أما إذا ما كنت فيها مجرماً ** متتبعا لطرائق الشيطان
ثكلتك أمك كيف تحتمل الأذى ** أم كيف تصبر في لظى النيران
فإذا تفرق عنك صحبك وانثنى ** حمّال نعشك جاءك الملكان
جاءاك مرهوبين من عينيهما ** ترمى بأشواظ من النيران
سألاك عن رب قدير خالق ** وعن الذي قد جاء بالقرآن
فتقول لا أدري وكنت مصدقاً ** أقوال شبه مقالة الثقلان
فيوبخانك بالكلام بشدة ** وسيضربانك ضربة السجان
فتصيح صيحة آسف متوجع ** ويجي الشجاع وذاك هول ثان
ويجي الرفيق فيا قباحة وجهه ** فكأنه متمرد من جان
وتقول يا ويلا أما لي رجعة ** حتى أحل بساحة الإيمان
لو عدتَ للدنيا لعدت لما ما مضى ** في جانب التكذيب والعصيان
جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم