يُقَالُ: إِنَّ أُمَّةً مِنَ الأُمَمْ تُنْسَبُ لِلْعُرْبِ وَتَسْرِي لِلْعَجَمْ
كَانَ لَهَا كَنْزٌ عَدِيمُ الْمِثْلِ مُرْتَفِعُ الْقَدْرِ خَفِيفُ الْحِمْلِ
فِيهِ غِذَاءُ الْقَوْمِ وَالْعِلاجُ وَهْوَ لِكُلِّ ظُلْمَةٍ سِرَاجُ
وَهْوَ السِّلاحُ سَاعَةَ الْحُرُوبِ وَهْوَ الْمَلاذُ سَاعَةَ الْخُطُوبِ
يَحْمِلُهُ الْعَبْدُ الذَّلِيلُ الْمُمْتَهَنْ فَيَرْفَعُ الذِّلَّةَ عَنْهُ وَالْغَبَنْ
حَتَّى يَصِيرَ قَائِدَ الأَسْيَادِ وَحَاكِمًا لِمُعْظَمِ الْبِلادِ
وَيَسْتَظِلُّ تَحْتَهُ الْخُصُومُ وَالْكُلُّ مِنْهُمْ جَائِرٌ ظَلُومُ
فَيَنْزِعُ الأَحْقَادَ مِنْ قَلْبَيْهِمَا وَيَغْرِسُ الأُلْفَةَ فِي نَفْسَيْهِمَا
وَيُصْبِحَانِ بَعْدُ كَالإِخْوَانِ نَاسِينَ لِلأَحْقَادِ وَالأَضْغَانِ
وَكَمْ أَعُدُّ مِنْ صِفَاتِ الْكَنْزِ يَعْجِزُ عَنْ تَعْدَادِهِنَّ رَجْزِي
فَارْتَفَعَتْ بِالْكَنْزِ تِلْكَ الأُمَّةُ وَعَظُمَتْ هَيْبَتُهَا وَالْحُرْمَةُ
وَهَابَهَا الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ وَكُلُّهُمْ بَاتَ لَهَا يَكِيدُ
وَجَنَّدُوا لِحَرْبِهَا الْجُنُودَا وَرَفَعُوا لِغَزْوِهَا الْبُنُودَا
فَلَمْ يَنَالُوا بِالسِّلاحِ الظَّاهِرِ مِنْهَا سِوَى الإِغْرَاقِ وَالْخَسَائِرِ
وَأَدْرَكُوا أَنَّ مَنَاطَ الْعِزِّ فِي تِلْكُمُ الأُمَّةِ حَمْلُ الْكَنْزِ
فَفَكَّرُوا فِي حِيلَةٍ فَرِيدَهْ لِهَدْمِ تِلْكَ الأُمَّةِ الْمَجِيدَهْ
وَهْيَ اخْتِرَاعُ صُورَةٍ مُسَاوِيَهْ لِلْكَنْزِ فِي الظَّاهِرِ لَكِنْ خَاوِيَهْ
عَنْ كُلِّ مَا فِيهِ مِنَ الأَسْرَارِ لَكِنَّهَا مُلْفِتَةُ الأَنْظَارِ
لِيَشْغَلُوا النَّاسَ بِهَاتِيكَ الصُّوَرْ عَنْ مُجْلِبِ الْعِزِّ وَأَسْبَابِ الظَّفَرْ
وَعِنْدَمَا بُثَّتْ عَلَى السَّبِيلِ رَاقَتْ لَدَى الْبَعْضِ مِنَ الْقَبِيلِ
فَحَمَلُوهَا رَغْبَةً فِي نَفْعِهَا وَلَمْ يُطِيعُوا مَنْ أَرَادُوا دَفْعَهَا
وَسَادَ بَيْنَ الأُمَّةِ النِّزَاعُ وَابْتَعَدُوا عَنْ كَنْزِهِمْ فَضَاعُوا
فَأَدْرَكَ الأَعْدَاءُ مَا أَرَادُوا وَعَمَّ بَيْنَ الأُمَّةِ الْفَسَادُ
وَمَكَثُوا فِي تِيهِهِمْ قُرُونَا فِي الْجَهْلِ وَالْحَيْرَةِ يَعْمَهُونَا
يُجَرِّبُونَ كُلَّ يَوْمٍ سَبَبَا لِلنَّصْرِ لَكِنْ لَمْ يُصِيبُوا مَطْلَبَا
وَبَعْدَ حِينٍ أَدْرَكُوا أَنَّ الصُّوَرْ كَانَتْ جَمِيعًا مَحْضَ غِشٍّ وَغَرَرْ
وَفِي ظِلالِ الْكَنْزِ قَامَتْ قَائِمَهْ صَارِخَةً وَسْطَ الْجُمُوعِ الْهَائِمَهْ
أَنْ لَيْسَ يُنْجِينَا سِوَى الرُّجُوعِ إِلَى ظِلالِ كَنْزِنَا الْمَرْفُوعِ
وَكُلُّهَا سَالِكَةٌ سَبِيلا مُوَصِّلاً حَامِلَةٌ دَلِيلا
لَكِنَّهَا تَفَرَّقَتْ أَحْزَابَا وَاتَّخَذَتْ لِنَفْسِهَا أَنْسَابَا
وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفِرَقْ أَنَّ طَرِيقِي خَيْرُ هَاتِيكَ الطُّرُقْ
وَالْكُلُّ يَسْعَى مُخْلِصًا مُجْتَهِدَا يَنْأَى عَنِ الزَّيْغِ وَيَدْعُو لِلْهُدَى
لَكِنَّهُ يَدْعُو إِلَى طَرِيقِهِ وَيَصْرِفُ الأُمَّةَ عَنْ رَفِيقِهِ
وَرُبَّمَا شَكَّكَ فِيهِ وَطَعَنْ وَهَذِهِ وَاللَّهِ مِنْ أَقْسَى الْمِحَنْ
أَمَا دَرَى أَنَّ الْخُصُومَ تَلْتَقِي عَلَى خِلافِ غَرْبِهَا وَالْمَشْرِقِ
عَلَى اجْتِثَاثِ كُلِّ تِلْكَ الطَّائِفَهْ لأَنَّهَا مِنَ الْجَمِيعِ خَائِفَهْ
أَمَا دَرَى أَنَّ مَيَادِينَ الْعَمَلْ أَوْسَعُ مِنْ جُهْدِ فَرِيقٍ مُنْعَزِلْ
أَمَا دَرَى أَنَّ ضَيَاعَ الْكَنْزِ فِي سَالِفِ الدَّهْرِ وَفَقْدَ الْعِزِّ
كَانَ بِأَسْبَابِ الْخِلافِ وَالْعِدَا وَفَشَلِ الأُمَّةِ أَنْ تَتَّحِدَا
أَلا فَقُولُوا لِلْفَرِيقِ الْمُرْشِدِ لا بُدَّ لا بُدَّ مِنَ التَّوَحُّدِ
وَإِنْ عَجَزْتَ فَاعْذُرَنْ أَخَاكَا وَلا تُسِيءَ الظَّنَّ فِي سِوَاكَا
فَكُلُّكُمْ فِي الْخَيْرِ تَطْمَعُونَا وَكُلُّكُمْ لِلْخَصْمِ تَقْمَعُونَا
وَكُلُّكُمْ فِي جِهَةٍ يُحَارِبْ فَلْتُظْهِرِ الأُلْفَةَ وَالتَّقَارُبْ
وَلْتَخْتَفِي مَظَاهِرُ الْخِلافِ فَضَرَرُ التَّفْرِيقِ غَيْرُ خَافِي
جميع الحقوق محفوظة لـ موقع الشيخ أحمد المعلم